للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يذكُر مالكٌ رحِمهُ الله في "مُوطَّئه" في حديثِهِ عن يحيى بن سعيدٍ، عن عَمْرةَ، في هذا الحديثِ: أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أرادَ أن يعتكِفَ، صلَّى الصُّبحَ، ثُمَّ دخل مُعتكفهُ. وما أظُنُّهُ تركهُ، واللّهُ أعلمُ، إلّا أنَّهُ رأى النّاسَ على خِلافِهِ.

وأجمع مالكٌ (١) وأصحابُهُ، على أنَّ المرأةَ إذا نَذَرتِ اعتِكافَ شَهْرٍ، فمرِضتهُ، أنَّها لا تَقْضيهِ، ولا شيءَ عليها. واختلفُوا إذا حاضتهُ، فقال ابن القاسم: تَقْضيهِ، وتَصِلُ قضاءَها بما اعْتَكفت قبل ذلكَ، فإن لَمْ تفعلِ اسْتَأنفَتْ.

وقال محمدُ بن عبدُوسٍ: الفرقُ بين المرَضِ والحَيْضِ، أنَّ المريضةَ تمرضُ الشَّهر كلَّهُ، والحائض لا تحيضُ الشَّهر كلَّهُ، وأقْصَىَ ما تحيضُ منهُ، خَمْسةَ عشر يومًا، فإذا وجَبَ عليها بعضُهُ، وجَبَ كلُّهُ.

قال أبو عُمرَ: هذه حُجَّةُ من يُسامِحُ نفسهُ، ويُكلِّمُ من يُقلِّدُهُ، وفسادُها أظهرُ من أن يحتاج إلى الكلام عليها.

وقد سوَّى سحنُونٌ بين حُكم الحيضِ والمرضِ، وقال: إنَّما عليها إذا طَهُرت من حَيْضتِها، اعتِكافُ بقيَّةِ المُدَّةِ، إن بَقِيَ منها شيءٌ في المرَضِ والحَيْضِ جميعًا، وما مَضَى فليسَ عليها قَضاؤُهُ (٢).

وهُو ظاهِرُ قولِ مالكٍ في "المُوطَّأِ" (٣) وقد قال مالكٌ فيمن نَذرَتْ صومَ يوم بعينِهِ: إنَّها إن مرِضَتْ أو حاضَتْ فأفْطَرَتْ لذلكَ، فلا قضاءَ عليها، فإن أفطرَتْ لغيرِ عُذرٍ، وهي تقْوَى على الصيام، فعليها القَضاءُ.

فحُكمُ الاعتِكافِ عِنْدي مِثلُ ذلكَ، وهُو قولُ اللَّيثِ، والشّافِعيِّ، وزُفَر.


(١) الذخيرة للقرافي ٢/ ٥٤٦.
(٢) مناهج التحصيل للرجراجي ٢/ ١٦٢، والذخيرة للقرافي ٢/ ٥٣٨.
(٣) الموطأ ١/ ٤٢٥ - ٤٢٦ (٨٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>