للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: "حتّى اعتكَفَ عشرًا من شوّالٍ". ففيه أنَّ الاعْتِكاف في غيرِ رمضانَ جائزٌ، كما هُو في رمضانَ.

وهذا ما لا خِلافَ فيهِ، إلّا أنَّ العُلماءَ اختلفُوا في صَوْم المُعتكِفِ، هل هُو واجِبٌ عليه أم لا؟ فقال مالكٌ، والثَّوريُّ، والحسنُ بن حيٍّ، وأبو حنيفةَ: لا اعتِكافَ إلّا بصوم. وهُو قولُ اللَّيثِ (١).

وقال الشّافِعيُّ، وأحمدُ بن حَنْبل، وداودُ بن عليٍّ، وابنُ عُليَّةَ: الاعْتِكافُ جائزٌ بغيرِ صوم. وهُو قولُ الحسنِ، وسعيدِ بن المُسيِّبِ، وعَطاءِ بن أبي رَباح، وعُمرَ بن عبدِ العزيزِ، كلُّهُم قالوا: ليسَ على المُعتكِفِ صَوْمٌ، إلّا أن يُوجِبهُ على نفسِهِ (٢). ورُوي عن ابن مسعُودٍ مِثلُهُ (٣).

ورُوي عن عائشةَ: لا اعتِكافَ إلّا بصوم (٤). ولم يُختلَفْ عنها في ذلكَ. واختُلِفَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ، وعبدِ الله بن عبّاسٍ، فرُوي عنهُما القَوْلانِ جميعًا، ولم يُختَلَف عن الشَّعبيِّ: أنَّهُ لا اعتِكافَ إلّا بصوم (٥).

واختُلِفَ عن النَّخعيِّ، فرُوي عنهُ الوَجْهانِ أيضًا جميعًا.

ومن حُجَّةِ من أجازَهُ بغيرِ صَوْم: أنَّ اعتِكافَ رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان في رمضانَ، ومُحَالٌ أن يكونَ صومُ رمضانَ لغيرِ رمضانَ.


(١) الأصل للشيباني ٢/ ٢٧١، والمبسوط للسرخسي ٣/ ١١٦، والمدونة ١/ ٢٩٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٤٧.
(٢) الأم ٢/ ١١٨، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق لكوسج ٣/ ١٢٥٣ (٧٢٤)، والمغني لابن قدامة ٣/ ١٨٨، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٤٧.
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (٩٧١٣)، وهو قول علي أيضًا.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (٨٠٣٧)، وابن أبي شيبة (٩٧١٣)، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٣١٧.
(٥) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٩٧١١ - ٩٧١٦)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١٠/ ٣٤٦، والبيهقي في الكبرى ٤/ ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>