للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعُوا أنَّ السَّارِق من مالِ المُضاربةِ والوَدِيعةِ، لا قطعَ عليه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا قطعَ على خائنٍ ولا مُختلِسٍ" (١). وأجمعُوا على ذلكَ.

وفي إجْماعِهِم على أن لا قطعَ على خائنٍ ولا مخُتلِس، دليلٌ على مُراعاةِ الحِرْزِ.

وقال أهلُ الظّاهِرِ، وبعضُ أهلِ الحديثِ، وأحمدُ بن حَنْبل في رِوايةٍ عنهُ: كلُّ سارِقٍ يُقطعُ، سرقَ من حِرزٍ، وغيرِ حِرْزٍ، لأنَّ الله أمرَ بقطع السّارِقِ أمرًا مُطْلقًا، وبيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المِقْدار، ولم يذكُرِ الحِرْزَ (٢).

قال أبو عُمرَ: الحُجَّةُ عليهم ما ذكرنا، وبالله توفيقُنا.

واختلفَ الفُقهاءُ في أبوابٍ من معاني الحِرْزِ يطُولُ ذِكْرُها، فجُملةُ قولِ مالكٍ، والشّافِعيِّ، وأبي حَنِيفةَ، والثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، وأصحابِهِم: أنَّ السّارِق من غيرِ حِرْزٍ لا قطعَ عليه. وجُملةُ قولِ مالكٍ، والشّافِعيِّ في الحِرْزِ: أنَّ الحِرْزَ كلُّ ما يُحرِزُ به النَّاسُ أموالهُم، إذا أرادُوا التَّحفُّظَ بها، وهُو يختلِفُ باخْتِلافِ الشَّيءِ المحرُوزِ، واختِلافِ المَواضِع، فإذا ضُمَّ المتاعُ في السُّوقِ إلى مَوْضِع، وقعدَ عليه صاحِبُهُ، فهُو حِرْزٌ، وكذلك إذا جُعِل في ظَرْفٍ، فأُخرِجَ منهُ، وعليه من يُحرِزُهُ، أو كانت إبِلٌ قُطِرَ (٣) بعضُها إلى بعضٍ، أو أُنيخت في صَحْراءَ حيثُ يُنظرُ إليها، أو كانت


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٨٨٤٤، ١٨٨٥٨، ١٨٨٦٠)، وأحمد في مسنده ٢٣/ ٣٠٣ (١٥٠٧٠)، والدارمي (٢٣١٠)، وأبو داود (٤٣٩١، ٤٣٩٢، ٤٣٩٣)، والنسائي في المجتبى ٨/ ٨٨، ٨٩، وفي الكبرى ٧/ ٣٨ - ٤٠ (٧٤١٩ - ٧٤٢٦)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/ ١٧١، وابن حبان ١٠/ ٣١٠ (٤٤٥٧، ٤٤٥٨)، والدارقطني في سننه ٤/ ٢٥٠ (٤٣١١)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٢٧٩، من طريق أبي الزبير عن جابر، به.
وانظر: المسند الجامع ٤/ ١٨٧ - ١٨٨ (٢٦٤٨).
(٢) انظر: الاستذكار ٧/ ٥٤٢.
(٣) قطر الإبل يقطرها قطرًا: قرب بعضها إلى بعض على نسق، وقطار الإبل: أن تشد الإبل على نسقٍ، واحدًا خلف واحد. انظر: لسان العرب ٥/ ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>