للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقْطَع، ودُرِئَ عنه الحَدُّ، لأنَّهُ قد ملكَ الشَّيء المسرُوقَ بالصَّدَقةِ أو الهبةِ، قبلَ أن يُقطعَ، فلا تُقْطعُ يَدُ رَجُل فيما قد ملَكهُ (١).

قال الطَّحاويُّ: ويختلِفُونَ في هذه المسألةِ لو كانتِ الِهبةُ قبل أن يُؤتى بالسّارِقِ إلى الإمام، فقال أهلُ الحِجازِ، منهُم مالكٌ، والشّافِعيُّ: يُقطَعُ، ووافقهُم على ذلكَ ابن أبي ليلى. وقال أبو يُوسُف في هذا: لا يُقطعُ. وأمّا أبو حَنِيفةَ، ومحمدُ بن الحسنِ، فقالا: لا يُقطعُ في شيءٍ من ذلكَ، مع وُقوع ملكِهِ (٢) على السَّرِقةِ قبل أن يُرفع إلى الإمام، وبعدَ أن يُرفع إليهِ (٣).

وحُجَّةُ أبي يُوسُف، قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "فهلّا قبلَ أن تأتِيَني به". وهذا يدُلُّ على أنَّهُ لو وهَبَ للسّارِقِ رِداءَهُ قبلَ أن يأتيهُ به، لما قُطِع، والله أعلمُ.

قال أبو عُمرَ: الحُجَّةُ قائمةٌ لمالكٍ والشّافِعيِّ على أبي حَنِيفةَ بالحديثِ المذكُورِ في هذا البابِ، لأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قطَعَ يدَ السّارِقِ الذي سرَقَ ثوبَ صفوانَ بن أُميَّةَ، بعد أن وَهَبهُ لهُ، وقال: "هلّا قبل أن تأتِيَني به".

ومعنى قولِهِ عِندهُم: "فهلّا قبلَ أن تأتِيَني به": هلّا كانَ ما أردتَ من العَفْوِ عنهُ، قبل أن تأتِيَني به، فإنَّ الحُدُود إذا لم أُوتَ بها، ولم أعْرِفها، لم أُقِمْها، وإذا أتَتْني لم يَجُزِ العفوُ عنها، ولا لغيري، هذا معناهُ (٤)، والله أعلمُ.

وقدِ احتَجَّ الشّافِعيُّ بالزّاني تُوهَبُ لهُ الأمةُ التي زَنَى بها، أو يَشْتريها، أنَّ مِلْكهُ الطّارِئَ لا يُزيلُ الحدَّ عنهُ، فكذلكَ السَّرِقةُ (٥).


(١) من قوله: "وأحد أقوال أبي يوسف" إلى هنا، سقط من م.
(٢) في م: "مالكه". وفي مصدر التخريج كما أثبتناه.
(٣) انظر: شرح مشكل الآثار ٦/ ١٦٦.
(٤) في ض: "المعنى".
(٥) انظر: الاستذكار ٧/ ٥٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>