للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجَّةِ أبي حنيفةَ، في قولِهِ: مَتَى وهَبَ السَّرِقةَ صاحِبُها للسّارِقِ، سقَطَ الحدُّ، قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "تَعافُوا (١) الحُدُودَ بَيْنكُم، فما بَلَغني من حَدٍّ، فقد وجَبَ" (٢). قال: فهذا الحدُّ قد عُفِي عنهُ بالِهبَةِ، وقد حَصَلت مِلْكًا للسّارِقِ قبلَ أن يبلُغ السُّلطانَ، فلم يبلُغ الحدُّ السُّلطانَ، إلّا وهُو معفُوٌّ عنهُ.

قال: وما حصلَ مِلْكًا للسّارِقِ اسْتَحالَ أن يُقطَعَ فيهِ، لأنَّهُ إنَّما يُقْطَعُ في مِلْكِ غيرِهِ، لا في ملكِ نفسِهِ.

ومن حُجَّتِهِ (٣) أيضا أنَّ الطّارِئَ من الشُّبْهةِ في الحُدُودِ، بمنزِلةِ ما هُو موجُودٌ في الحالِ، قياسًا على الشَّهاداتِ، وبالله التَّوفيقُ.

قال أبو عُمر: لا أعلمُ بين أهْلِ العِلْم اختِلافًا في الحُدُودِ إذا بلَغتْ إلى السُّلطانِ، لم يَكُن فيها عفوٌ، لا لهُ، ولا لغيرِهِ، وجائزٌ للنّاسِ أن يتعافوُا الحُدُودَ ما بينهُم، ما لم يبلُغ السُّلطانَ، وذلكَ محمُودٌ عندَهُم.

وفي هذا كلِّهِ دليلٌ، على أنَّ لصاحِبِ السَّرِقةِ في ذلكَ ما ليسَ للسُّلطانِ، وذلكَ ما لم يبلُغ السُّلطانَ، فإذا بلَغَ السّارِقُ إلى السُّلطانِ، لم يَكُن للمسرُوقِ منهُ شيءٌ من حُكْمِهِ في عَفْوٍ ولا غيرِهِ، لأنَّهُ لا يتبَعُهُ بما سرقَ منهُ، إذا وهبَهُ لهُ، ألا ترى أنَّهُم قد أجمعُوا على أنَّ السّارِقَ لو أقرَّ بسَرِقةٍ عندَ الإمام، يجِبُ في مِثْلِها القطعُ، سَرَقها من رجُلٍ غائبٍ، أنَّهُ يُقطعُ وإن لم يَحضُر ربُّ السَّرِقةِ، ولو كانَ لربِّ السَّرِقةِ في ذلكَ مقالٌ، لم يُقطع حتّى يَحْضُر، فيُعرَف ما عندَهُ فيهِ.


(١) زاد هنا في م: "عن".
(٢) أخرجه أبو داود (٤٣٧٦)، والنسائي في المجتبى ٨/ ٧٠، وفي الكبرى ٧/ ١٢ (٧٣٣١، ٧٣٣٢)، والطبراني في الأوسط ٦/ ٢١٠ (٦٢١٢)، والدارقطني في سننه ٤/ ١١٨ (٣١٩٦)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ٣٣١، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عَمرو، به. وانظر: المسند الجامع ١١/ ١٣٦ (٨٤٩٧).
(٣) في م: "حجتهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>