للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قولِ الله عزَّ وجلَّ: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ما يُغنِي ويكفِي والحمدُ لله.

قال أبو عُمر: ولم يختلِفْ أهلُ السِّيرِ أنَّ هذه الآيةَ المذكُورةَ نزلت في الحُديبِيةِ، حِينَ صالَحَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قُرَيشًا، على أن يَرُدَّ عليهِم من جاءَ بغيرِ إذنِ وليِّهِ، فلمّا هاجَرْنَ، أبَى اللهُ أن يُرْدَدْنَ إلى المُشرِكِينَ، إذا امتُحِنَّ بمِحنةِ الإسلام، وعُرِف أنَّهُنَّ جِئنَ رَغْبةً في الإسلام.

وذكَرَ مُوسى بن عُقبةَ، أنَّ أبا العاصِ بن الرَّبِيع كان قد أذِنَ لامرأتِهِ زينَبَ بنتِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ خرَجَ إلى الشّام، أن تَقْدَمَ المدِينةَ، فتكونَ معَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يذكُر مَتَى كان خُرُوجُهُ إلى الشّام، وذكَرَ أنَّهُ في رُجُوعِهِ من الشّام مرَّ بأبي جَنْدلٍ وأبي بَصِيرٍ في نَفَرٍ من قُريشٍ، فأخذُوهُم ومن معهُم، ولم يقتُلُوا منهُم أحَدًا، لِصِهرِ أبي العاصِ من رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقَدِمَ المدِينةَ على امْرأتِهِ زينبَ (١).

فقد أجمَعَ العُلماءُ، أنَّ الزَّوجينِ إذا أسْلَما معًا في حالٍ واحِدةٍ، أنَّ لهُما المُقامَ على نِكاحِهِما، إلّا أن يكونَ بينهُما نَسَبٌ أو رَضاعٌ يُوجِبُ التَّحرِيم، وأنَّ كلَّ من كان لهُ العَقْدُ عليها في الشِّركِ، كان لهُ المُقامُ مَعَها إذا أسْلَما معًا، وأصلُ العَقْدِ مُعْفًى (٢) عنهُ، لأنَّ عامَّةَ أصْحابِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كانُوا كُفّارًا، فأسلمُوا بعد التَّزوِيج، وأُقِرُّوا على النِّكاح الأوَّلِ، ولم يُعتَبرْ في أصلِ نِكاحِهِم شُرُوطُ الإسلام، وهذا إجماعٌ وتَوقِيفٌ.

وإنَّما اخْتَلَف العُلماءُ في تقدُم إسلام أحَدِ الزَّوجينِ، على ما نذكُر هاهُنا إن شاءَ الله.


(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٥١/ ٥٣٧، من طريق موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، به.
(٢) في م: "معفيٌّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>