للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: لم يختلِفِ العُلماءُ، أنَّ الكافِرةَ إذا أسْلَمت، ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُها، أنَّهُ لا سبِيلَ لِزَوْجِها إليها إذا كان لم يُسْلِمْ في عِدَّتِها، إلّا شَيءٌ رُوِي عن إبراهِيمَ النَّخَعِيِّ (١)، شذَّ فيه عن جَماعةِ العُلماءِ، ولم يتبَعهُ عليه أحدٌ من الفُقهاءِ، إلّا بعضُ أهلِ الظّاهِر، فإنَّهُ قال: أكثرُ أصحابِنا لا يُفْسِخُ النِّكاحَ لِتقدُّم إسلام الزَّوجةِ، إلّا بمُضِيِّ مُدَّةٍ يتَّفِقُ الجميعُ على فسخِهِ (٢)، لِصِحَّةِ وُقوعِهِ في أصْلِهِ، ووُجُودِ التَّنازُع في حَقِّهِ (٣). واحتجَّ بحديثِ ابن عبّاسٍ، بأنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ردَّ زَيْنبَ على أبي العاصِ بالنِّكاح الأوَّلِ (٤)، بعد مُضِيِّ سَنَتينِ لهِجرتِها.

وأظُنُّهُ مالَ فيه إلى قِصَّةِ أبي العاصِ، وقِصَّةُ أبي العاصِ لا تخلُو من أن يكونَ أبو العاصِ كافِرًا، إذ ردَّهُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابنتِهِ زينبَ على النِّكاح الأوَّلِ أو مُسلمًا، فإن كان كافِرًا، فهذا ما لا شَكَّ فيه، أنَّهُ كان قبلَ نُزُولِ الفَرائضِ وأحكام الإسلام في النِّكاح، إذ في القُرآنِ والسُّنَّةِ والإجْماع تحرِيمُ فُرُوج المُسلماتِ على الكُفّارِ، فلا وَجْهَ هاهُنا للإكثار.

وإن كان مُسلمًا، فلا يخلُو من أن يكونَ كانت حامِلًا، فتمادَى حملُها ولم تَضَعهُ حتَّى أسلَمَ زوجُها، فَردَّهُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إليها في عِدَّتِها، وهذا ما لم يُنْقَلْ في خَبَر.

أو تكونَ قد خَرَجت من العِدَّةِ، فيكونَ أيضًا ذلك منسُوخًا بالإجماع؛ لأنَّهُم قد أجمعُوا أنَّهُ لا سبِيلَ لهُ إليها بعدَ العِدَّةِ، فكيفَ كان ذلك؟


(١) في م: "النجعي"، وهو تصحيف ظاهر.
(٢) في م: "نسخه".
(٣) انظر: الاستذكار ٥/ ٥٢٥.
(٤) سلف تخريجه قريبًا في هذا الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>