للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَصدَّقَ بها يومَ ترجِعُ، وهي على شرطِه من الأثَرَةِ والتَّقدمةِ والتَّسويةِ بينَ أهلِ الغِنَى والحاجة، ومن إخراج مَن أخرَج منها بصفة، أو ردِّه إليها بصفة.

قال أبو عُمر: قول الشافعيّ: "ولا يجوزُ أن يُخرِجَها من مِلكِه إلّا إلى مالكِ مَنفَعَتِها". معناه عندي: أن يكونَ المُحبَّسُ عليه موجودَ العين، ليس يُجْهَلُ (١)، فإذا كان كذلك فجائزٌ أن يتولّاها له غيرُه إذا أخرجَها المُحبِّسُ من يَدِه، على أنَّ الشافعيَّ يجوزُ عندَه في الأوقافِ من تركِ القَبْضِ ما لا يجوزُ في الهِباتِ والصَّدَقاتِ المَمْلوكات؛ لأنَّ الوقفَ عندَه يَجري مجرَى العِتق، يَتمُّ بالكلام دونَ القبض.

قال: ويَحرُمُ على الموقِفِ مِلكُه، كما يَحرُمُ عليه مِلكُ رقبةِ العبدِ إذا أعتَقَه، إلّا أنّه جائزٌ له أن يتولَّى صَدَقَتَه، وتكونَ بيدِه ليفرِّقَها ويسبِّلَها فيما أخرَجها فيه؛ لأنَّ عمرَ بنَ الخطاب لم يزلْ يلي صَدقتَه، فيما بلَغَنا، حتى قَبَضَه اللَّه. قال: وكذلك عليٌّ وفاطمةُ كانا يَلِيانِ صَدقاتِهما (٢).

قال أبو عُمر: ليس هكذا مذهبُ مالك، بل مذهبُه فيمن حبَّسَ أرضًا أو دارًا أو نخلًا على المساكين، وكانتْ في يديْه، يقومُ بها ويُكرِيها، ويَقسِمُها في المساكين، حتى مات والحُبُسُ في يديْه، أنّه ليس بحُبُس، ما لم يَحُزْه غيرُه، وهو ميراث، والرَّبْعُ (٣) عندَه والحوائطُ والأرضُ لا يَنفُذُ حُبُسُها ولا يَتِمُّ حَوْزُها حتى يَتولّاه غيرُ مَن حبَّسَه، بخلافِ الخَيْلِ والسلاح. هذا تَحصيلُ مَذهبِه عندَ جماعةِ أصحابِه (٤).


(١) في الأصل: "بحمل"، والمثبت من ق، ف ١، وهو الصواب.
(٢) هذا معنى ما ذكره في الأمّ ٤/ ٥٤ - ٥٥، وينظر: مختصر المُزنيّ ٨/ ٢٣٣.
(٣) الرَّبْعُ: المنزل والدار بعينها. اللسان (ربع).
(٤) المدوّنة ٤/ ٤٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>