للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا أحمدُ بنُ حنبل، فإنَّ عمرَ بنَ الحسين الخِرَقيَّ ذكَر عنه، قال (١): إذا وقَفَ وقْفًا، ومات المُوقَفُ عليه، ولم يَجعلْ آخرَه للمساكين، ولم يَبقَ ممّن وُقِف عليه أحدٌ، رجَع إلى وَرَثَةِ الواقِف، في إحدَى الرِّوايتين عنه، والرِّوايةُ الأخرى، يكونُ وقْفًا على أقربِ عَصَبَةِ الواقِف.

وزعَم بعضُ الناسِ أنَّ في هذا الحديثِ ردًّا على أبي حَنيفة وزُفَرَ في إبطالِهما الأحباس، وردِّهما الأوقاف، وليس كذلك؛ لأنَّ هذا الحديثَ ليس فيه بيانُ الوَقْف، ويَحتمِلُ أن تكونَ صَدَقةُ أبي طلحةَ صَدَقةَ تمليكٍ للرَّقبة، بل الأغلبُ الظاهرُ -من قوله: "فقسَمَها أبو طلحةَ بينَ أقاربِه وبني عمِّه"- أنّه قسَم رَقبتَها وملَّكَهم إيّاها ابتغاءَ مرضاتِ اللَّه، وإذا كان ذلك كذلك فلا خلافَ بينَ أبي حنيفةَ وزُفَرَ وسائرِ العلماءِ في جوازِ هذه الصدقةِ إذا حلَّ المتصدَّقُ عليه فيها محلَّ المتصدِّق، وكان له أن يبيعَ، ويَنتفِعَ، ويَهَبَ، ويَتصدَّقَ، ويَصنعَ ما أحبَّ.

وإنّما أنكَر أبو حنيفةَ وزُفَرُ تَحبيسَ الأصلِ على التَّمليكِ وتسبيلَ الغَلَّةِ والثمرة، وهي الأحباسُ المعروفةُ بالمدينة، وفيها تَنازَعَ العلماءُ، وأجازَها الأكثرُ منهم، وقد قال بجوازِها أبو يوسف، ومحمدُ بنُ الحسن (٢)، رجَع أبو يوسفَ عن قولِ أبي حنيفة في ذلك لمّا حدَّثه ابنُ عُليّة، عن ابنِ عون، عن نافع، عن ابنِ عمر، عن عمر، أنّه استأذَنَ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أن يَتصدَّق بسَهْمِه من خيبر، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "احبِسِ الأصل، وسبِّلِ الثَّمَرَة" (٣). وهو حديثٌ صحيحٌ، وبه يَحتجُّ كلُّ مَن أجاز الأحباس.


(١) مختصر الخِرقي، كتاب الوقوف والعطايا ص ٨١.
(٢) ينظر ما نُقل عن أبي حنيفة وأصحابه في هذا: مختصر اختلاف العلماء ٤/ ١٥٧ - ١٥٨، وشرح معاني الآثار ٤/ ٩٥ للطحاوي.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢١٣٣٣) و (٣٧٢٦٦)، وأحمد في المسند ٨/ ٢١٧ (٤٦٠٨) و ٩/ ١٦١ (٥١٧٩) عن إسماعيل بن إبراهيم ابن عُليّة، به. وقرن به أحمد في الموضع الثاني يحيى بن سعيد القطان. =

<<  <  ج: ص:  >  >>