للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال النَّسائيُّ (١): من قال في هذا الحديثِ: عن ابن عُيينةَ أو غيرِهِ، عن طلحةَ بن يحيى: "كُنتُ أردتُ الصَّومَ، ولكنْ أصُومُ يومًا مكانهُ"، فقد أخطأ. قال: وقد رواهُ جماعةٌ عن طَلْحةَ بن يحيى، فلم يذكُر أحدٌ منهُم: "ولكن أصُومُ يومًا مكانهُ".

قال أبو عُمر: طَلْحةُ بن يحيى انفردَ بهذا الحديثِ، وما انفردَ به فليسَ بحُجَّةٍ عندَ جميعِهِم، لضعفِهِ.

ومن حُجَّةِ مالكٍ، ومن قال بقولِهِ في إيجابِ القَضاءِ على المُتطوِّع إذا أفسَدَ صومهُ عامِدًا، مع حديثِ ابن شِهاب في قِصَّةِ عائشةَ وحفصةَ المذكُورِ في هذا البابِ، قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣]، وقولُهُ تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: ٣٠]. وليسَ من أفطَرَ عامِدًا بعد دُخُولِهِ في الصَّوم، بمُعظِّم لِحُرمةِ الصَّوم، وقد أبطَلَ عملَهُ الذي أمرَ الله بتمامِهِ ونهاهُ عن إبطالِهِ، والنَّهيُ عن الشَّيءِ يَقْتضِي الأمرَ بضِدِّهِ، وقد قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧]. وهذا يَقْتضِي عُمُومَهُ الفرضَ والنَّفلَ، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦].

وقد أجمعُوا على أنَّ المُفسِدَ لحَجّةِ التَّطوُّع، أو عُمْرتِهِ: أنَّ عليه القضاءَ. فالقِياسُ على هذا الإجماع - إيجابَ القضاءِ على مُفسِدِ صَوْمِهِ عامِدًا - قِياسٌ صحِيحٌ، وقد ثبتَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قال: "إذا دُعِي أحدُكُم إلى طَعام فليُجِبْ، فإن كان مُفطِرًا فليأكُل" (٢)، ورُوِي: "فإن شاءَ أكلَ، وإن كان صائمًا فليَدْعُ"، ورُوِي: "فليُصلِّ"، يُرِيدُ: فليَدْعُ، ورُوِي في هذا الحديثِ أيضًا: "وإن كان صائمًا فلا يأكُل".


(١) انظر: السنن الكبرى ٣/ ٣٦٤ بإثر رقم (٣٢٨٦).
(٢) أخرجه النسائي في الكبرى ٩/ ١١٩ (١٠٠٥٩)، والطبراني في الكبير ١٠/ ٢٨٥ (١٠٥٦٣)، وابن السني في عمل اليوم والليلة (٤٨٩) من طريق عبد الله بن شداد، عن ابن مسعود.
وانظر: المسند الجامع ١٢/ ٥٧ (٩٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>