للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال مالكٌ، واللَّيثُ، والشّافِعيُّ، والثَّورِيُّ، والحسنُ بن حيٍّ، وأبو حنِيفةَ وأصحابُهُ: يُقبَلُ رُجُوعُ المُقِرِّ بالزِّنى، والسَّرِقةِ، وشُربِ الخمرِ (١).

وقال ابنُ أبي ليلى وعُثمانُ البتِّيُّ: لا يُقبلُ رُجُوعُهُ في شيءٍ من ذلك كلِّهِ.

وقال الأوزاعِيُّ - في رَجُلٍ أقرَّ على نفسِهِ بالزِّنا أربعَ مرّاتٍ، وهُو مُحصنٌ، ثُمَّ ندِمَ وأنكرَ أن يكونَ أَتَى ذلك -: إنه يُضرَبُ حَدَّ الفِريةِ على نفسِهِ، فإنِ اعترَفَ بسرِقةٍ، أو شُربِ خَمْرٍ، أو قتلٍ، ثُمَّ أنكرَ، عاقبهُ السُّلطانُ دُونَ الحدِّ.

قال أبو عُمر: إذا أقرَّ الرَّجُلُ بسرِقةٍ، من مالِ رَجُلٍ، فأنكرَ الرَّجُلُ المُقرُّ لهُ ذلك، ولم يدَّعِهِ، وكذَّبَ السّارِق، أو أقرَّ بسرِقةٍ من مالِ غائبٍ، ثُمَّ رجعَ: لم يُقطَع؛ لأنَّهُ لا حقَّ لآدمِيٍّ هاهُنا، وحُكمُهُ حُكمُ المُقِرِّ بالزِّنا.

واختلفَ قولُ مالكٍ في المُقِرِّ بالزِّنا، أو شُربِ الخمرِ، يُقامُ عليه الحدُّ، فيرجِعُ تحتَ العذابِ، فمرَّةً قال: إذا أقِيمَ عليه أكثرُ الحدِّ، أُتِمَّ عليه؛ لأنَّ رُجُوعَهُ نَدَمٌ منهُ. ومرَّةً قال: يُقبلُ منهُ رُجُوعُهُ أبدًا، ولا يُضرَبُ بعد رُجُوعِهِ، ويرفعُ عنهُ (٢).

وهُو قولُ ابن القاسم، وعليه النّاسُ؛ لأنهُ مُحالٌ أن يُقامَ حدٌّ على أحَدٍ بغيرِ إقرارٍ ولا بيِّنةٍ، وإذا أكذَبَ نفسَهُ قبلَ تمام الحدِّ، فما بَقِي من الحدِّ لا يُتَمُّ عليه؛ لأنهُ حِينئذٍ يُضرَبُ بغيرِ إقرارٍ ولا بيِّنةٍ، وظُهُورُ المُسلمِين ودِماؤُهُم حِمًى، إلّا بيقِينٍ، ولا وجهَ لِقولِ من جعَلَ رُجُوعهُ نَدَمًا، لإجماعِهِم على أنَّ رُجُوعَهُ قبلَ أن يُقامَ عليه الحدُّ ليس بندَم، ولا فرقَ في القِياسِ والنَّظرِ بينَ أوَّلِ الحدِّ وآخِرِهِ، وإذا جازَ أن يُقبَلَ رُجوعُه بعد سَوْطٍ واحِدٍ، جازَ أن يُقبَلَ بعد سبعِينَ، والله أعلمُ.

قال أبو عُمر: ثبتَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، من حديثِ أبي هُريرةَ، وجابرٍ، ونُعيم بن هزّالٍ، ونصرِ بن دَهْرٍ، وغيرِهِم: أنَّ ماعِزَ بن مالكٍ لمّا رُجِمَ ومَسَّتهُ الحِجارةُ،


(١) وانظر: الاستذكار ٧/ ٥٠٢. وانظر فيه أيضًا ما بعده.
(٢) انظر: الاستذكار ٧/ ٥٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>