للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابنِ الزُّبيرِ. وهُو قولُ مالكٍ، والحُجَّةُ لمالك (١): أنَّ الهَدْيَ تابِعٌ للتَّحلُّل، قياسًا على من تمَّ حجُّهُ، ألا تَرَى أنَّ من تمَّ حجُّهُ، نحرَ بمِنًى، ومن تمَّتْ عُمرتُهُ، نحرَ بمكّةَ، فكذلك المُحصَرُ ينحرُ حيثُ يحِلُّ، وكلُّ مُتحلِّل، فهديُهُ منحُورٌ حيثُ يحِلُّ، والله أعلمُ.

وقال مالكٌ: من حصَرهُ المرضُ، فلا يُحِلُّهُ إلّا الطَّوافُ بالبيتِ، فإن أُحصِرَ بعدُوٍّ، فإنَّهُ ينحَرُ هَدْيَهُ حيثُ حُصِر، ويتحلَّلُ وينصرِفُ، ولا قَضاءَ عليه، إلّا أن يكونَ صَرُورةً (٢). وهذا كلُّهُ قولُ الشّافِعيِّ وداودَ بن عليٍّ.

وقال أبو حنيفةَ: المُحصَرُ بالعدُوِّ والمرضِ سواءٌ، يذبحُ هديهُ في الحُرْم، ويَحِلُّ يومَ النَّحرِ إن شاءَ، وعليه حَجَّةٌ وعُمرة. وهُو قولُ الطَّبريِّ (٣).

وقال أبو يوسُفَ ومحمدٌ: ليسَ ذلك لهُ، ولا يَتحلَّلُ دُونَ يوم النَّحرِ. وهُو قولُ الثَّوريِّ، والحسنِ بن صالح (٤).

وقال مالكٌ: من أُحصِرَ بعدُوٍّ، فحالَ بينهُ وبين البيتِ، فإنَّهُ يَحِلُّ من كلِّ شيءٍ، وينحَرُ هديَهُ، ويَحلِقُ رأسَهُ حيثُ حُبِسَ، وليسَ عليه قضاءٌ.

قال مالكٌ (٥): وبلغني أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حَلَّ هُو وأصحابُهُ بالحُديبيةِ، فنحرُوا الهَدْيَ، وحَلَقوا رُؤُوسَهُم، وحلُّوا من كلِّ شيءٍ قبلَ أن يطُوفُوا بالبيتِ، وقبلَ أن يصِلَ إليه الهديُ، ثُمَّ لم يُعلَمْ أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابَهُ، ولا أحدًا مِمَّن كان مَعهُ أن يقضُوا شيئًا، ولا يُعيدُوا الشيءَ.


(١) في م: "لذلك".
(٢) رجل صرور، وصرورة: لم يحج قط، وأصله من الصر: الحبس والمنع. انظر: تاج العروس للزبيدي ١٢/ ٣٥٧.
(٣) انظر: الاستذكار ٤/ ١٨٠.
(٤) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ١٨٧.
(٥) أخرجه في الموطأ ١/ ٤٨٤ (١٠٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>