للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الاشْتِراكِ في الهَدْي ما وردَ عن السَّلفِ، الذي لا يجُوزُ عليهم تحريفُ التَّأويلِ، ولا الجهلُ به، ويصِحُّ الاحتِجاجُ لمالكٍ في هذا البابِ على مذهبِهِ، في أنَّ الهَدْيَ الذي ساقَهُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يومَ الحُدَيبيةِ كان تطوُّعًا، فأشْرَكهُم في ثوابِهِ لا في المِلكِ بالثَّمنِ، كما صنعَ بعليٍّ في حَجَّةِ الوداع، إذ أشْرَكهُ في الهَدْيَ الذي ساقَهُ تطوُّعًا أيضًا عِندَ مالكٍ؛ لأنَّهُ كان مُفْرِدًا - صلى الله عليه وسلم -، وفي المسألةِ ضُرُوبٌ من النَّظر.

وقال الشّافِعيُّ، وأبو حنيفةَ، والأوزاعيُّ: تُجزِئُ البَدَنةُ عن سَبْعةٍ، والبَقَرَةُ عن سبعةٍ كلِّهِم، قد وجبَ عليه دمٌ من تَمتُّع، أو قِرانٍ، أو حَصْرِ عدُوٍّ، أو مَرضٍ، وكلُّ من وجبَ عليه ما استَيسَرَ من الهَدْي، وذلك شاةٌ: أجزأهُ شركٌ في بَقرةٍ أو بَدَنة إذا كان ذلك الشِّركُ سُبعَها، أو أكثرَ من سبعِها، ولا تُجزِئُ البَدَنةُ ولا البَقَرةُ عن أكثرَ من سَبْعة (١).

وهذا كلُّهُ قولُ الثَّوريِّ، وأحمدَ بن حَنْبل، وأبي ثورٍ، وداودَ بن عليٍّ، والطَّبريِّ، وعامَّةِ الفُقهاءِ.

ورُوي ذلكَ عن جَماعةٍ من أصحابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، منهُم: عليٌّ، وابنُ مسعُود (٢).

وكان زُفَرُ بن الهُذيلِ يقولُ: إن كان الهَدْيُ الواجِبُ على السَّبعةِ نَفرٍ، وجَبَ من بابٍ واحِدٍ، مِثلَ أن يكونُوا مُتمتِّعينَ، أو قارِنِينَ، أو نحوَ ذلك، جازَ لهُمُ الاشتِراكُ في البَدَنةِ أو البَقَرةِ، إذا كانوا سَبْعةً فأدنى. قال: فإنِ اختلفَ الوَجْهُ الذي منهُ وجَبَ عليهمُ الدَّمُ، لم يُجْزِهِم ذلك (٣).

وكان أبو ثَوْرٍ يقولُ: إن شارَكهُم ذِمِّيٌّ، أو من لا يُريدُ الهَدْي، وأرادَ حِصَّتَهُ من اللَّحم، أجْزَأ من أراد منهُمُ الهَدْيَ حِصَّتُهُ، يعني: إذا كانت سُبُعَ البَدَنةِ فما فوقَهُ، ويأخُذُ الباقون حِصَصَهُم من اللَّحم.


(١) انظر: الاستذكار ٥/ ٢٣٩.
(٢) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (١٣٤٣٧)، وشرح معاني الآثار للطحاوي ٤/ ١٧٥.
(٣) انظر: الاستذكار ٤/ ٢٧٠ وانظر فيه أيضًا ما بعده.

<<  <  ج: ص:  >  >>