للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا نَهْيُهُ عن القُدُوم عليه، وعنِ الفِرارِ منهُ، فلئلّا يلُومَ أحدُهُم بعد ذلكَ نفسهُ إن مرِضَ منهُ فماتَ، أو يقول غيرُهُ: لو لم يَقْدَم عليه أو فرَّ منهُ لنَجا، ونحو هذا، فيلُومُونَ أنفُسهُم، فيما لا لومَ عليهم فيه؛ لأنَّ الباقيَ والنّاهِضَ لا يتَجاوزُ أحدٌ منهُم أجلهُ، ولا يَسْتأخِرُ عنهُ.

وقد جاءَ النَّهيُ عن اللَّوة (١) مُطْلقًا، يعني قَوْلهُم: لو كان كذا، لم يَكُن كذا. ويُقالُ: إنَّهُ ما فرَّ أحدٌ من الطّاعُونِ، فنَجا.

حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الملكِ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن مسرُورٍ، قال: حدَّثنا عيسى بن مِسْكينٍ، قال: حدَّثنا ابنُ سَنْجر، قال: حدَّثنا عارِمٌ، قال: حدَّثنا داودُ بن أبي الفُراتِ، قال: أخبرنا عبدُ الله بن بُرَيدةَ، عن يحيى بن يَعْمَر، عن عائشةَ، حدَّثتهُ أنَّها سألت رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطّاعُونِ، فأخْبَرها نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّهُ كان عذابًا يبعَثهُ الله على من يَشاءُ، فجَعَلهُ الله رَحْمةً للمُؤمنينَ، فلَيْسَ من عَبْدٍ يَقعُ الطّاعُونُ بأرْضٍ، فيثبُتُ ولا يخرُجُ، ويعلَمُ أنَّهُ لن يُصيبهُ إلّا ما كتبَ الله لهُ، إلّا كان لهُ مِثلُ أجرِ شَهيدٍ" (٢).

وقد ذكَرْنا أخبارًا في بابِ ابن شِهاب، عن عبدِ الله بن عامرٍ، في الفِرارِ عن الطّاعُونِ، لا وَجْهَ لتكريرِها هاهُنا.

وفيه عِندي، واللهُ أعلمُ: النَّهيُ عن رُكُوبِ الغَرَرِ، والمُخاطَرةِ بالنَّفسِ والمُهجة؛ لأنَّ الأغْلَبَ في الظّاهِرِ، أنَّ الأرضَ الوبيئَةَ، لا يكادُ يسلمُ صاحِبُها


(١) في الأصل، م: "اللوم"، وهو تحريف.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٤٠/ ٤١٧، و ٤٢/ ١١٨، ٤٣/ ٢٣٥ (٢٤٣٥٨، ٢٥٢١٢، ٢٦١٣٩)، وابن راهوية (١٣٥٣)، والبخاري (٣٤٧٤، ٥٧٣٤، ٦٦١٩)، والنسائي في الكبرى ٧/ ٦٨ (٧٤٨٥)، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٣٧٦، وانظر: المسند الجامع ٢٠/ ١٣١ - ١٣٢ (١٦٩٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>