للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ظُلْمةٍ، فيقول ربُّ الثَّوب: أبيعُكَ هذا، على أنَّهُ إذا وجبَ البيعُ، فنظرتَ إليه، فلا خيارَ لك، والمُنابذةُ: أن يقول: أنبِذُ إليكَ ثوبي هذا، وتنبِذُ إليَّ ثوبكَ، على أنَّ كلَّ واحِدٍ منهُما بالآخرِ، ولا خيارَ إذا عَرَفنا الطُّولَ والعَرْضَ (١).

فهذا يدُلُّ من قولهِ، على أنَّ المُلامَسةَ والمُنابَذةَ لو كان فيهِما (٢) خيارُ الرُّؤيةِ والنَّظرِ لَمْ تبطُلْ، واللّه أعلمُ.

وقال أبو حَنِيفةَ وأصحابُهُ: المُلامَسةُ والمُنابَذةُ بَيْعانِ لأهلِ الجاهِليَّةِ، كان إذا وضعَ يَدهُ على ما ساومَ به، مَلَّكهُ بذلك صاحِبُهُ، وإذا نَبذهُ إليه ملَّكهُ أيضًا ووجَبَ ثَمنهُ عليه، وإن لَمْ تَطِب نفسُهُ، فكان ذلك يَجْري مَجْرَى القِمارِ، لا على جِهةِ التَّبايُعُ (٣).

وقال الزُّهريُّ: المُلامَسةُ أنَّ القومَ كانوا يَتَبايعُون السِّلعَ، ولا ينظُرُونَ إليها، ولا يُخبَرُونَ عنها، والمُنابَذةُ: أن يتنابَذَ القومُ السِّلعَ، ولا ينظُرُونَ إليها، ولا يُخبَرُونَ عنها، فهذا من أبوابِ القِمارِ.

قال أبو عُمر: في قول الزُّهريِّ هذا إجازَةٌ للبيع على الصِّفةِ، ألا تَرى إلى قوله: ولا يُخبَرُون عنها؟

وقال رَبِيعةُ: المُلامَسةُ والمُنابذةُ من أبوابِ القِمار (٤).

قال أبو عُمر: أبطلَ رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان عليه أهلُ الجاهِليَّةِ من أخذِ الشيءِ على وَجْهِ القِمارِ، وأباحَهُ بالتَّراضي، وبذلكَ نطقَ القُرآنُ في قولهِ عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩].


(١) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٧٦، فمنه ينقل المؤلف، والاستذكار ٦/ ٤٦٠.
(٢) في الأصل: "فيه".
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٧٦، والاستذكار ٦/ ٤٦١. وانظر فيه أيضًا ما بعده.
(٤) وأخرجه سحنون في المدونة ٣/ ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>