للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نَهَى رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بُيُوع كثيرةٍ، وإن تَراضَى بها المُتبايِعانِ، كلُّها أو أكثرُها مذكُورةٌ في كِتابِنا هذا، في مَواضِعِها والحمدُ للّه.

والحُكمُ في بيع المُلامَسةِ والمُنابذةِ كلِّهِ، وما كان مِثلهُ، إن أُدرِكَ فُسِخَ، وإن فاتَ رُدَّ إلى قيمتِهِ يوم قُبِضَ بالغًا ما بلَغَ.

واختلَفَ الفُقهاءُ من هذا البابِ في البيع على البرنامج (١)، وهُو بيعُ ثيابٍ، أو سِلع غيرها على صِفَةٍ موصُوفةٍ، والثِّيابُ حاضِرةٌ لا يُوقَفُ على عَيْنِها لغَيْبَتِها في عدلها، ولا يُنظَرُ إليها.

فأجازَ ذلك مالكٌ وأكثرُ أهل المدينةِ، إذا كان فيه الذَّرْعُ والصِّفةُ، فإن وافَقتِ الثِّيابُ الصِّفةَ، لزِمَتْ المُبتاع على ما أحبَّ أو كرِهَ. وهذا عِندَهُ من بابِ بيع الغائبِ على الصِّفةِ لمغيبِ الثِّيابِ والمتاع في الأعدال.

وقال أبو حنيفةَ والشّافِعيُّ وجماعةٌ: لا يجوزُ البيع على البَرنامَج البتَّةَ، لأنَّهُ بيعُ عَيْنٍ حاضِرةٍ غيرِ مَرْئيَّةٍ، والوُصُولُ إلى رُؤيتِها مُمكِنٌ، فدخل بيعُها في باب المُلامَسةِ والغَررِ والقِمارِ عِندَهُم.

وأمّا مالكٌ، فالصِّفةُ عِندَهُ تقومُ مقامَ المُعايَنةِ. وقد رُوِيَ عن النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أنَّهُ قال: "لا تصِفُ المرأةُ المرأةَ لزَوْجِها، حتَّى كأنَّهُ يَنْظُرُ إليها" (٢). فأقأَم هُنا الصِّفةَ، مقامَ المُعاينةِ.


(١) تنظر تفاصيل ذلك في الأوسط لابن المنذر ١٠/ ٣٧٦، والبرنامج: هو الورقة الجامعة للحساب، وأصناف البضاعة لدى التجار. قال القاضي عياض في مشارق الأنوار ١/ ٨٥: البَرْنامَج بفتح الباء وسكون الراء وفتح الميم، كلمة فارسية، وهي زمام تسمية متاع التجار وسلعهم.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٦/ ١٠٠ (٣٦٠٩)، والبخاري (٥٢٤٠، ٥٢٤١)، وأبو داود (٢١٥٠)، والترمذي (٢٧٩٢)، والنسائي في الكبرى ٨/ ٢٨٨ (٩١٨٧)، والبزار في مسنده ٥/ ١٣١ (١٧١٧)، وأبو يعلى (٥٠٨٣)، وابن حبان ٩/ ٤٦٨ (٤١٦٠)، والطبراني في الكبير ١/ ١٧٣ (١٠٢٤٧)، وفي الأوسط ٢/ ١٥٦ (١٥٦٢) من حديث ابن مسعود، وانظر: المسند الجامع ١٢/ ٥٣ - ٥٤ (٩١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>