للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِنْبرِ، إذ قال: يا كثيرُ بن الصَّلتِ، اذْهَبْ إلى عائشةَ أُمِّ المُؤمِنين، فسَلْها عن صَلاةِ رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّكْعتَينِ بعد العَصْرِ. قال أبو سَلَمةَ: فذَهَبتُ مَعهُ، وأرسَلَ عبدُ الله بن عبّاس: عبد الله بن الحارِثِ بن نَوْفلٍ معَنا، فقال: اذْهَبْ فاسْمَعْ ما تقولُ أُمُّ المُؤمِنينَ. قال أبو سَلَمةَ: فجاءَها فسألَها، فقالت: لا عِلْمَ لي، ولكنِ اذْهَبْ إلى أُمِّ سَلَمةَ. فذهَبَ إلي أُمِّ سَلَمةَ (١) فدخَلَ، وسَألَها، فقالت أُمُّ سلمةَ: دخَلَ عليَّ رسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يوم بعدَ العَصْرِ، فصلَّى عِنْدي رَكْعتينِ لَمْ أكُن أراهُ يُصلِّيهِما، فقلتُ: يا رسُولَ الله، لقَدْ صلَّيتَ صلاةً لَمْ أكُنْ أراكَ تُصلِّيها، فقال: "إنِّي كُنتُ أُصلِّي بعدَ الظُّهرِ رَكْعتينِ، وإنَّهُ قدِمَ عليَّ وفدُ بني تمَيم، فشَغَلُوني عنهُما، فهُما هاتانِ الرَّكْعتانِ".

قالوا: ففي قَضاءِ رسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكْعَتي الفَجْرِ بعد الصبح، وقَضائهِ الرَّكعتينِ بعد الظُّهرِ، وهُما من سُنَّتهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُغِلَ عنهُما، فقَضاهُما بعد العَصْرِ، دليل على أنَّ نَهْيَهُ عن الصَّلاةِ بعد الصبح وبعد العَصْرِ، إنَّما هُو عن غيرِ الصَّلواتِ المسنُوناتِ والمُفْتَرضاتِ؛ لأنَّهُ معلُومٌ أنَّ نَهْيهُ إنَّما يَصِحُّ عن غيرِ ما أباحَهُ، ولا سَبيلَ إلى اسْتِعمالِ الأحاديثِ عنهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلّا بما ذكَرْنا.

قال: وفي صلاةِ النّاسِ بكلِّ مِصْرٍ على الجَنائزِ، بعد الصبح والعَصْرِ، دليلٌ على ما ذكَرْتُ.

هذا قولُ الشّافِعيِّ وأصحابِهِ في هذا البابِ، وكذلك رَوَى المُزنيُّ عنهُ، فيمَنْ لَمْ يَرْكَع رَكْعتيِ الفَجْرِ، حتَّى صلَّى الصُّبح: أنَّهُ يَرْكعُهُما بإثْرِ صَلاةِ الصُّبح، قبلَ طُلوع الشَّمسِ. وقال البُوَيْطيُّ عنه: يَرْكَعُهما (٢) بعد طُلُوع الشَّمسِ.


(١) قوله: "فذهب إلي أُمِّ سلمة" لَمْ يرد في م.
(٢) من قوله: "يركعهما" إلى هنا سقط من م، قفز نظر بين اللفظتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>