وفيه فضلٌ لمعاويةَ رحمه اللَّه، إذ جعَل من غَزا تحتَ رايتِه من الأوَّلين، ورُؤْيا الأنبياءِ صلواتُ اللَّه عليهم وَحْيٌ، الدليلُ على ذلك قولُ إبراهيمَ عليه السلام:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} فأجابَه ابنُه: {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ}[الصافات: ١٠٢]. وهذا بَيِّنٌ واضحٌ. وقالت عائشة: أوَّلُ ما بُدِئَ به رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوَحْي الرُّؤيا الصادقة، فكان لا يَرى رُؤْيا إلّا جاءَتْ مثلَ فَلَقِ الصُّبْح (١).
وفي فرح رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- واستِبْشارِه وضَحِكِه بدُخولِ الأجرِ على أُمَّتِه بعدَه، سُرورًا بذلك، بيانُ ما كان عليه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من المُناصحةِ لأُمَّتِه، والمَحبّةِ فيهم، وفي ذلك دليل على أنَّ من علامةِ المؤمنِ سُرُورَه لأخيه بما يُسَرُّ به لنفسِه.
وإنّما قلنا: إنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على رُكُوبِ البحرِ للجهادِ وغيرِه، للنساءِ والرِّجال، إلى سائرِ ما استَنبَطْنا منه؛ لاستِيقاظِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-وهو يَضحَكُ فرحًا بذلك، فدَلَّ على جوازِ ذلك كلِّه وإباحتِه وفضلِه، وجعَلْنا المباحَ مما يُركَبُ فيه البحرُ قياسًا على الغزوِ فيه.
ويَحتملُ بدليلِ هذا الحديثِ أن يكونَ الموتُ في سبيلِ اللَّه والقتلُ سواءً، أو قريبًا من السَّواءِ في الفضل؛ لأنَّ أُمَّ حَرام لم تُقتَلْ، وإنّما ماتَتْ من صَرْعةِ دابَّتِها، وقال لها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أنتِ من الأوَّلين". وإنّما قلتُ: أو قريبًا من السَّواء.
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤٢/ ١١٣ (٢٥٢٠٢)، والبخاري (٣) و (٤٩٥٣) و (٦٩٨٢)، ومسلم (١٦٠)، والترمذي (٣٦٣٢) من حديث عروة بن الزُّبير، عنها رضي اللَّه عنها.