للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلكَ رَواهُ ابنُ المُباركِ، عن إبراهيمَ بن عُقْبةَ (١). مِثلَ رِوايةِ حمّادِ بن زَيْدٍ.

فدلَّ ذلك كلُّهُ على ضَعْفِ رِواية ابن عُيينةَ، وصِحَّةِ رِواية مالكٍ ومن تابَعهُ، وأن ليسَ لابنِ عبّاسٍ في هذا الحديثِ ذِكر صَحِيح، واللّه أعلمُ.

وفي هذا الحديثِ من الفِقه: الوُقُوفُ بعَرَفةَ يومَ عرفةَ، ثُمَّ الدَّفعُ منها بعدَ غُرُوبِ الشَّمسِ، على يَقِينٍ من مَغيبِها ليلةَ النَّحرِ إلى المُزدلفةِ.

وهذا ما لا خِلافَ فيه، والوُقُوفُ المعرُوفُ بعَرَفةَ، بعد صَلاةِ الظُّهرِ والعَصْرِ في مَسجِدِ عرفةَ جميعًا، في أوَّلِ وقتِ الظُّهرِ، إلى غُرُوبِ الشَّمسِ.

والمسجدُ معرُوفٌ، ومَوْضِعُ الوُقُوفِ بجِبالِ الرَّحمةِ معرُوفٌ، وليسَ المسجدُ موضِع وُقُوفٍ، لأنَّهُ فيما (٢) أحسَبُ من بَطنِ عُرَنةَ، الذي أُمِر الواقِفُ بعَرَفةَ أن يرتفِعَ عنهُ، وهذا كلُّهُ أمرٌ مُجتَمعٌ عليه، لا موضِعَ للقولِ فيه.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديث: "نزلَ فبالَ، فتوضَّأ فلم يُسبغِ الوُضُوءَ". فوَجْهُهُ (٣) عِندي، واللّهُ أعلمُ، أنَّهُ اسْتَنجى بالماءِ، أوِ اغتسلَ به من بَوْلهِ، وذلكَ يُسمَّى وُضُوءًا في كلام العَرَبِ، لأنَّهُ من الوَضاءةِ، التي هي النَّظافةُ.

ومعنى قوله: "لم يُسْبغِ الوُضُوءَ". أي: لم يُكمِل وُضُوءَ الصَّلاةِ، لم يَتَوضَّأ للصَّلاةِ، والإسباغُ: الإكمالُ، فكأنَّهُ قال: لم يَتَوضَّأ وُضُوءَهُ للصَّلاةِ، ولكنَّهُ تَوضَّأ من البَوْل. هذا وجهُ هذا الحديثِ عِندي، واللّه أعلمُ.


(١) أخرجه مسلم ٢/ ٩٣٥ (١٢٨٠) (٢٧٨)، والنسائي في المجتبى ٥/ ٢٦٠، وأبو القاسم البغوي في مسند أسامة (٤٣) من طريق ابن المبارك، به.
(٢) "فيما" لم ترد في الأصل.
(٣) في ض، م: "فهذا"، والمثبت من الأصل، ظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>