للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيلَ: إنَّهُ تَوضَّأ وُضُوءًا خَفِيفًا، ليسَ بالبالغِ، وُضُوءًا بين وُضُوءَينِ.

وهذا ظاهرُه غيرُ الاسْتِنجاءِ، ولكنَّ الأصُولَ المُجتمَع عليها تَدْفعُ وضُوءَين (١) لصَلاةٍ واحِدةٍ، وليسَ هذا اللَّفظُ في حديثِ مالكٍ، ومالكٌ أثبتُ من رَواهُ، فلا وجهَ للاحْتِجاج برِوايةِ غير عليه.

وقد قيلَ في ذلك: إنَّهُ تَوضَّأ على بعضِ (٢) أعْضاءِ الوُضُوءِ، فلم (٣) يُكمِل الوُضُوءَ للصلاةِ، على ما رُوِيَ عن ابن عُمرَ: أنَّهُ كان إذا أجْنَبَ ليلًا، وأرادَ النَّومَ، غسَلَ وَجْههُ ويَديهِ إلى المِرْفقينِ، ورُبَّما مسَحَ برأسِهِ، ونامَ، وهُو لم يُكمِلْ وضوءَه للصَّلاة (٤). وهذا عِندي وَجْهٌ ضعيفٌ لا معنى لهُ، ولا يجِبُ أن يُضافَ مِثلُهُ إلى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولعلَّ الذي حَكاهُ عن ابن عُمر لم يَضْبِطهُ (٥).

والوُضُوءُ على الجُنُبِ عِندَ النَّوم غيرُ واجِبٍ، وإنَّما هُو نَدْبٌ، لا يرفعُ به حَدَثهُ، وفِعلُهُ سُنَّةٌ وخَيْرٌ.

وليسَ من دفَعَ من عَرَفةَ إلى المُزدلفةِ يجِدُ من الفَراغِ ما يتوضَّأُ به وُضُوءًا يَشْتغِلُ به عن النُّهُوضِ إلى المُزْدلفةِ، والنُّهُوضُ إليها من أفضلِ أعمالِ البِرِّ، فكيفَ يشتغِلُ عنها بما لا معنَى لهُ؟

ألا تَرى أنَّهُ لمّا حانَتْ (٦) تلك الصَّلاةُ في مَوْضِعِها، نزلَ فأسبَغَ الوُضُوءَ لها. أي: توضَّأ لها كما يجِبُ.


(١) من قوله: "وهذا ظاهره" إلى هنا، لم يرد في م.
(٢) في الأصل: "غير"، والمثبت من ظا.
(٣) في م: "ولم"، والمثبت من الأصل.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٠٨٨)، وابن المنذر في الأوسط (٦٠٣).
(٥) في م: "يضبط".
(٦) في الأصل: "جاءت"، والمثبت من ظا، ض.

<<  <  ج: ص:  >  >>