للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه رَدٌّ على من لم يُجِز للمُصلِّي أن يؤُمَّ أحدًا، إلّا أن يَنْوي الإمامَةَ مع الإحْرام، لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم ينوِ إمامَةَ ابن عبّاس، وقد قامَ إلى جَنْبِهِ فأتمَّ به، وسلكَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيه سُنّةَ الإمامةِ، إذ نَقَلهُ عن شِمالهِ إلى يَمينِه.

وفي هذه المسألةِ أقْوالٌ: أحَدُها هذا، وقد ذكَرْنا فَسادهُ.

وقال آخرُونَ: أمّا المُؤَذِّنُ والإمامُ إذا أذَّنَ، فدَعا النّاس إلى الصلاةِ، ثُمَّ انتظرَ فلَمْ يأتِهِ أحَدٌ فتَقَدَّم وحدهُ، وصلَّى، فدخَلَ رجُلٌ، فجائزٌ لهُ أن يدخُلَ مَعهُ في صلاتِهِ، ويكونَ إمامَهُ، لأنَّهُ قد دَعا النّاس إلى الصَّلاةِ، ونَوَى الإمامةَ.

وقال آخرُونَ: جائزٌ لكلِّ منِ افتَتَحَ الصَّلاةَ وحدَهُ، أن يكونَ إمامًا لمنِ ائتَمَّ به في تلك الصَّلاةِ، لأنَّهُ فِعلُ خَيْرٍ لم يَمْنع الله منهُ، ولا رسُولُهُ، ولا اتَّفقَ الجميعُ على المنع منهُ.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديث: "فصلَّى رَكْعتينِ، ثُمَّ رَكْعتينِ ... " الحديثَ. فإنَّ ذلكَ محمُولٌ عِندَنا، على أنَّهُ كان يَجْلسُ في كلِّ اثْنَتينِ، ويُسلِّمُ منهُما، بدليل قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "صلاةُ اللَّيلِ مَثْنى مَثْنَى (١) " (٢). ومُحالٌ أن يأمُرَ بما لا يفعلُ - صلى الله عليه وسلم -، وقد رُوِيَ في هذا الخبر: أنَّهُ كان يُسلِّمُ من كلِّ اثْنَتينِ من صَلاتِهِ تلك. ورُوي عنهُ غيرُ ذلك.

وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "صَلاةُ اللَّيل مَثْنَى مَثْنَى". يقضي على كلِّ ما اختُلِفَ فيه من ذلك.

وأمّا قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "ثُمَّ أوتَرَ، ثُمَّ اضطَجعَ، حتَّى أتاهُ المُؤَذِّنُ،

فصَلَّى رَكْعتينِ خَفِيفتينِ". فإنَّ الآثارَ اختَلَفت في اضْطِجاعِهِ المذكُورِ في هذا الحديثِ،


= قال بشار: على أنَّ المرفوع صحيح، قال الترمذي: "حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح".
وكذا صحح المتصل أبو حاتم الرازي، كما في العلل لابنه (٧٥١) و (٧٧٠)، وقال الدارقطني في العلل بعد أن ساق الاختلاف فيه: "ورفعه صحيح" (١٦٥٦)، وناقض نفسه حينما ساق الحديث في التتبع (٢٦) وذكر رواية شعبة المرسلة!
(١) هذه الكلمة سقطت من م.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٨٠ (٣١٩) من حديث ابن عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>