للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الثَّوريُّ: تُجزِئُكَ الإقامةُ في السَّفرِ عن الأذانِ، وإن شِئتَ أذَّنتَ، وأقمتَ، وتكفيكَ الإقامةُ، وإن صلَّيتَ بغيرِ أذانٍ ولا إقامةٍ، أجزأتكَ صلاتُك. وقال الشّافِعيُّ، وأبو حَنِيفةَ وأصحابُهُما، وهُو قولُ أبي ثَوْرٍ وأحمدَ، وإسحاقَ، والطَّبريّ: إذا تركَ المُسافِرُ الأذانَ عامِدًا، أو ناسيًا، أجزأتهُ صلاتُهُ. وكذلكَ لو تركَ الإقامةَ عِندهُم، لم تكُن عليه إعادةُ صلاتِهِ. وقد أساءَ إن تَرَكها عامِدًا. وهُو تحصيلُ مذهبِ مالكٍ أيضًا.

وقد رَوَى أيُّوبُ، عن نافِع، عن ابن عُمرَ: أنَّهُ كان في السَّفرِ يُصلِّي بإقامةٍ، إقامةٍ، إلّا الغَداةَ، فإنَّهُ كان يُؤَذِّنُ لها، ويُقِيمُ (١). يعني صلاةَ الصُّبح.

قال أبو عُمر: قد أجمعَ العُلماءُ على أنَّ المسجدَ إذا أذَّنَ فيه واحِدٌ وأقامَ: أنَّهُ يُجزِئُ أذانُهُ وإقامَتُهُ جميع مَنْ في المسجدِ (٢)، وأنَّ من أدركَ الإمامَ، في سَفَرٍ أو حَضَرٍ، وقد دخلَ في صلاتِهِ، أنَّهُ يدخُلُ مَعهُ، ولا يُؤَذِّنُ ولا يُقيمُ.

فدلَّ إجماعُهُم في ذلك كلِّهِ، على بُطلانِ قولِ من أوجبَ الأذانَ على كلِّ إنسانٍ في خاصَّةِ نفسِهِ، مُسافِرًا كان، أو غير مُسافِرٍ، ودلَّ على أنَّ الأذانَ والإقامةَ غيرُ واجِبينِ.

ومن جِهَةِ القياسِ والنَّظر: ليَسْتا من الصَّلاةِ، فتَفسُدُ الصَّلاةُ بتركِهِما.

والذي يصِحُّ عِندي في هذه المسألةِ، أنَّ الأذانَ واجِبٌ فرضًا على الدّارِ، أعني المِصْرَ، أوِ القريةَ، فإذا قامَ فيها قائمٌ واحِدٌ، أو أكثرُ، بالأذانِ، سقطَ فرضُهُ عن سائرِهِم.

ومن الفَرْقِ بين دارِ الكُفرِ ودارِ الإسلام، لمن لم يَعْرِفها: الأذانُ الدّالُّ على الدّارِ، وكلُّ قريةٍ أو مِصرٍ لا يُؤَذَّنُ فيه بالصَّلاةِ، فأهلُهُ لله عزَّ وجلَّ عُصاةٌ، ومن


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٢٧٢).
(٢) في ظا، م: "أهل المسجد"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>