للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحَكَميُّ (١):

لنا خَمْرٌ وليست خَمْرَ كَرْمٍ ... ولكِنْ مِن نتاجِ البَاسِقاتِ

كِرامٌ في السماءِ ذهَبْنَ طُولًا ... وفاتَ ثِمارُها أيْدِي الجُناةِ

وقد اختلَف أهلُ اللغةِ في اشتقاقِ اسم الخمرِ على ألفاظٍ قريبةِ المعاني، مُتداخِلة، كلُّها موجودةُ المعنى في الخمر.

فقال بعضهم: إنّما سُمِّيَتِ الخمرُ خمرًا؛ لأنّها تَخْمُرُ العقلَ، أي: تُغَطِّيه وتَستُرُه، وكلُّ شيءٍ غَطَّى شيئًا، فقد خَمَرَه، ومنه (٢) حديثُ أبي حُميدٍ الساعديِّ أنه جاء بقَدَح من لَبَن، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ألَا خَمَّرتَه؟ ولو أن تَعرِضَ عليه عُودًا" (٣). ومن ذلك: خِمارُ المرأة، سُمِّيَ خِمارًا لأنّه يُغَطِّي رأسَها، ومن ذلك الشجرُ المُلْتَفُّ، يُقال له: الخَمَرُ؛ لأئه يُغَطِّي ما تحتَه ويُخَمِّرُه.

وقال آخرون منهم: إنّما سُمِّيَتِ الخمرُ خمْرًا؛ لأنّها تُرِكَتْ حتى أدْرَكَتْ، كما يقال: خَمَرَ الرَّأيُ واختمَرَ؛ أي: تُرِك حتى تَبيَّن فيه الوجهُ، ويقال: قد اختَمر العَجِينُ؛ أي: بلَغَ إدْراكَه.

وقال بعضُهم: إنّما سُمِّيَتِ الخمرُ خمرًا؛ لأنّها اشْتُقَّتْ من المُخامَرَةِ التي هي المُخالَطَة؛ لأنّها تُخالِطُ العقل، وهذا مأخوذ من قولِهم: دَخَلْتُ في خِمارِ الناس؛ أي: اخْتَلَطْتُ بهم. وهذا الوَجْهُ يَقرُبُ من المعنى الأوّل. والثلاثةُ الأوجهِ


(١) هو الحسن بن هانئ المعروف بأبي نُوَاس، الشاعر المشهور، والبيتان في ديوانه ص ٢٥٢ بلفظ:
لنا خَمْرٌ وليس بخَمْر نَخْلٍ ... ولكِنْ مِن نتاجِ البَاسِقاتِ
كِرامٌ في السماءِ زَهَيْنَ طُولًا ... ففاتَ ثِمارُها أيْدِي الجُناةِ
(٢) من هنا وإلى نهاية الحديث لم يرد في الأصل.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣٩/ ٢١ (٢٣٦٠٨) و (٢٠١٠) من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنهما، عن أبي حميد الساعديِّ رضي اللَّه عنه، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>