للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاتِه وعينِه، ولهذا ما اختَلف العلماءُ في تحليلِ الخمرِ وفي طيبِها عندَ زوالِ العِلَّةِ المذكورةِ عنها، وسنذكُرُ اختِلافَهم في تحليلِ الخمرِ في آخرِ هذا البابِ إن شاءَ اللَّه.

وكخمرِ العِنَبِ عندَهم نَقِيعُ الزَّبيبِ إذا غَلَا وأسْكَر، قَليلُه وكثيرُه في التحريم سواءٌ؛ لأنّه عندَهم ميِّتٌ أُحْيي (١).

واختلَف العلماءُ في سائرِ الأنبِذَةِ المُسْكِرَة، فقال العراقيُّون: إنّما الحرامُ منها السُّكْرُ، وهو فعلُ الشارِب، وأمّا النبيذُ في نفسِه، فليس بحرام ولا نَجِس؛ لأنَّ الخمرَ العِنَبُ لا غيرُه، بدليل قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} [يوسف: ٣٦]؛ يعني عنبًا (٢).

قال أبو عُمر: ليس في هذا دليلٌ على أنَّ الخمرَ ما عُصِرَ من العنبِ لا غيرُ؛ لِما قدَّمْنا ذِكْرَه من أنَّ الخمرَ المعروفةَ عندَ العربِ ما خمَر العقلَ وخامَرَه، وذلك اسمٌ جامعٌ للمُسْكِرِ من عصيرِ العنبِ وغيرِه.

وقال أهلُ المدينة، وسائرُ أهلِ الحجاز، وعامّةُ أهلِ الحديثِ وأئمَّتُهم (٣): إنَّ كلَّ مُسْكِرٍ خمرٌ، حُكْمُه حُكْمُ خمرِ العنبِ في التحريم والحَدِّ على مَن شَرِب شيئًا من ذلك كلِّه، كما هو عندَ الجميع منهم على شارِبِ خمرِ العَنِب. ومن الحُجَّةِ لهم أنَّ القرآنَ قد وَرَد بتحريم الخمرِ مُطلَقًا، ولم يَخُصَّ خمرَ العنبِ من غيرِها، فكلُّ ما وقَعَ عليه اسمُ خمرٍ من الأشرِبَةِ فهو داخِلٌ في التحريم بظاهرِ الخطاب، والدليلُ على ذلك أنَّ الخمرَ نزَلَ تحريمُها بالمدينة، وليس بها شيءٌ من خمرِ العنب.


(١) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص ٦٧، وبداية المجتهد لابن رشد ٢/ ٢٣.
(٢) ينظر ما نقله الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه: مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٧١ - ٣٧٢، وتحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي ٣/ ٣٢٥.
(٣) ينظر: الأم للشافعيّ ٦/ ١٩٤، ومسائل أحمد رواية أبي داود ص ٣٤٦ (باب الأشربة، المسائل (١٦٥٣ - ٤٦٥٩)، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٤/ ٤٩٩ (٤١١٧)، والأوسط لابن المنذر ١٣/ ٢١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٦٥ - ٣٦٦ و ٤/ ٣٧١ - ٣٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>