للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: لا خلافَ بينَ علماءِ المسلمين أنَّ سورةَ "المائدة" نزَلت بتحريم الخمر، وهي مدنيّةٌ، من آخرِ ما نزَل بالمدينة، وذلك قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} ثم قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠ - ٩١]. فنَهَى عنها، وأمرَ باجتنابِها، كما قال: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠]. ثم زجَر وأوعَد مَن لم يَنتَهِ أشَدَّ الوعيدِ في كتابِه، وعلى لسانِ رسولِه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وسمّاها رِجْسًا، وقرَنها بالميتةِ والدم ولحم الخنزير، بقوله: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥] والرِّجْسُ: النجاسةُ.

وقال في الخمر: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} فقرَنها بلحم الخنزير.

وورَد التحريمُ في الميتةِ والدم والخنزيرِ خبرًا، وفي الخمرِ نهيًا وزجرًا، وهو أقْوَى التحريم وأوْكَدُه عندَ العلماء، وفي إجماع أهلِ الصلاةِ على هذا التّأويل ما يُغني عن الإكثارِ فيه، وقد مضَى في بابِ إسماعيلَ بنِ أبي حكيم ذِكْرُ معنى التحريم في اللغة، وأنّه المنعُ (١)، وكلُّ ما مُنِعْتَ منه فقد حُرِّمَ عليك؛ دليلُ ذلك قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: ١٢]؛ أي: مَنعْناه من رَضاع غيرِ أُمِّه. وقال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩]. وقال تباركَ اسمُه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ} الآيةَ [الأعراف: ٣٣]. فحَصَلَ بهاتَيْن الآيتَيْنِ تَحريمُ الخمرِ نصًّا.


(١) في أثناء شرح الحديث الأول له، عن عبيدة بن سفيان الحضرميّ، عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وقد سلف في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>