للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإحداهُما، أو لهما صَداقًا، فالنِّكاحُ ثابِتٌ بمَهرِ المِثلِ، والمَهرُ فاسِدٌ، ولكلِّ واحدةٍ منهُما مَهرُ مِثلِها، إن كان دخلَ بها، ويصفُ مَهرِ مِثلِها، إن كان طلاقُها قبل الدُّخُولِ.

وقال أبو حَنيفةَ: إذا قالَ: أُزوِّجُكَ ابنتي، أو أُختي، على أن تُزوِّجني ابنتكَ، فتكونُ كلُّ واحدةٍ منهُما مهرَ الأُخرى، فهُو الشِّغارُ، ويصِحُّ النِّكاحُ بمَهرِ المِثل (١).

وهُو قولُ اللَّيثِ بن سعدٍ، وبه قال الطَّبريُّ.

قال أبو عُمرَ: حُجَّةُ من قال هذا القولَ: أنَّ الشَّريعةَ قد نهَتْ عن صَداقِ الخَمْرِ، والخِنزيرِ، والغَررِ، والمجهُولِ، والنِّكاحُ في ذلك كلِّهِ يَصِحُّ بمهرِ المِثْلِ، والأصلُ عندَهُم: أنَّ التَّزويج مُضمَّنٌ بنَفسِهِ، لا ببدَلِه (٢)، وليسَ بمُفتقِرٍ في العَقْدِ إلى الصَّداقِ، لأنَّ القُرآن قد ورَدَ بجوازِ العَقْدِ في النِّكاح، دُون صَداق، بقولِهِ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: ٢٣٦] يُريدُ ما لم تمسُّوهُنَّ، وما لم تَفرِضُوا لهنَّ فَرِيضةً، يعني صداقًا، فسمّاهُ نِكاحًا، وجعلَ فيه الطَّلاق، ولم يكُن فيه ذِكرُ صَدَاقٍ.

وحُجَّةُ مالكٍ، والشّافِعيِّ، ومن أبطَلَ نِكاح الشِّغارِ، لأنَّهُ نِكاحٌ طابَقَ النَّهْيَ ففسَدَ، امتِثالًا لنَهْيِهِ - صلى الله عليه وسلم -، لقولِهِ عزَّ وجلَّ: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] وقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ عَملٍ ليسَ عليه أمرُنا، فهُو رَدٌّ" (٣). يعني مردُودًا.


(١) المبسوط للسرخسي ٥/ ١٠٦.
(٢) في م: "يبدله".
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٤٣/ ١٥٧ (٢٦٠٣٣)، والبخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨)، وأبو داود (٤٦٠٦)، وابن ماجة (١٤)، وابن الجارود في المنتقى (١٠٠٢)، وأبو عوانة (٦٤٠٧)، وأبو يعلى (٤٥٩٤)، وابن حبان ١/ ٢٠٧ - ٢٠٨ (٢٦، ٢٧)، والدارقطني في سننه ٥/ ٤٠٢ (٤٥٣٤) من حديث عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>