للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعمَّ النَّبيِّينَ، ثُمَّ قال: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَم} [الأحزاب: ٧] فخصَّ هؤُلاءِ تعظيمًا لهم، وهُم أُولُو العَزْم من الرُّسُلِ.

وقدِ اختلف العُلماءُ، من الصَّحابةِ والتّابِعين وسائرِ عُلماءِ المُسلِمينَ، في الصَّلاةِ الوُسْطَى على حَسَبِ ما قد بيَّنّاهُ في بابِ زيدِ بن أسلمَ من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادتِهِ هاهُنا.

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ: "فكأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ"، فمعناهُ عندَ أهلِ العِلم: فكأنَّما أُصيبَ (١) بأهلِهِ ومالِهِ، وكأنَّما ذهَبَ أهلُهُ (٢) ومالُهُ. والمعنى في ذلكَ، ذَهابُ الأجرِ والثَّوابِ؛ لأنَّ الأهلَ والمالَ باقِيانِ، لكِنَّ ذَهابَ الأجرِ على ذي العَقْلِ والدِّينِ، كذهابِ الأهْلِ والمالِ.

وأمّا أصلُ الكَلِمةِ من اللُّغةِ، فإنَّها مأخُوذةٌ من الوَتْرِ والتِّرة، وهُو: أن يَجْنيَ الرَّجُلُ على الرَّجُلِ (٣) جِنايةً في دَم أو مالٍ، فيَطلُبُهُ حتَّى يأخُذَ منهُ ذلكَ المالَ أو مِثلَهُ، ومثلَ ذلك الدَّم. وقلَّما يكونُ ذلكَ إلّا أكثرَ من الجِنايةِ الأولى، فيُذهبُ المالُ، ويُجحِفُ به وبالأهلِ، وقد يُسمَّى كلُّ واحدٍ منهُما مَوْتُورًا، لذهابِ مالِهِ وأهلِهِ، قال الأعْشَى (٤):

عَلْقمُ ما أنتَ إلى عامِرٍ ... النّاقِضِ الأوتارِ والواتِرِ

وقال أعرابيٌّ:

كأنَّما الذِّئبُ إذ يَعْدُو على غَنَمي ... في الصبح طالِبُ وَتْرٍ كان فاتَّأرا


(١) في م: "أذيب"، ولعله من غلط الطبع.
(٢) في الأصل: "بأهله"، والمثبت من ظا.
(٣) في م: "الآخر"، والمثبت من الأصل.
(٤) انظر: ديوانه، ص ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>