للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم كَسْرَ الجِرار، إلّا إسحاقَ بنَ عبدِ اللَّه بنِ أبي طلحةَ وحدَه، وإنّما في حديثهم أنّه أكفَأها، ولا بأسَ بالاستِمْتاع بظُرُوفِ الخمرِ بعدَ تَطْهِيرِها وغسلِها بالماءِ وتَنْظيفِها، إلّا أنَّ الزِّقاقَ التي قد بالَغَتْها الخمرُ وداخَلَتْها، إنْ عُرِف أنَّ الغَسْلَ لا يَبلُغُ منها مَبْلَغَ التَّطْهِيرِ لها، لم يُنتَفَعْ بشيءٍ منها.

وفي هذا الحديثِ أيضًا قَبولُ خبرِ الواحدِ؛ لأنَّهم قَبِلوا خبرَ المُخبِر لهم، وهو رجلٌ من المسلمين، ولا شكَّ أنَّهم قد عَرَفوه، ولذلك قَبِلُوا خبرَه، وعَمِلُوا به، وأراقُوا شرابَهم، وقد كان مِلْكًا لهم قبلَ التحريم.

وفيه أنَّ المحَرَّمَ لا يَحِلُّ مِلْكُه، وأنَّ الخمرَ لا يستقِرُّ عليها مِلكُ مسلم بحال.

وفيه أنَّها كانت مباحةً مَعفُوًّا عنها حتى نزلَ تَحرِيمُها، قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ رحمه اللَّه: كان الناسُ على أمرِ جاهِليَّتِهم حتى يُؤمَروا أو يُنْهَوا (١).

وقد كانتِ الشَّدَّةُ والإسكارُ موجودَينِ في الخمرِ قبلَ تَحرِيمِها، ولم يكنْ ذلك بمُوجِبٍ لتَحرِيمِها؛ لأنَّ العِلَّة في التحريم ما يَقرَعُ السمعَ من الكتابِ والسُّنة، وإنّما كانتِ الشِّدَّةُ وَصْفًا من أوصافِ الخمر، فلمّا ورَد الشرعُ بتحريم المُسْكِر، صار الإسكارُ والشِّدَّةُ فيها عَلَمًا للتحريم، بدَليلِ الاعتبارِ في ذلك. وهذا مَوضِعٌ تَنازعَ فيه مَن نَفَى القِياسَ ومَن أثْبتَه، والكلامُ فيه يطُولُ.


(١) أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (٥٥٤)، ومن طريقه ابن المنذر في تفسيره ٢/ ٥٥٤ (١٣٢٦) كلاهما عن حمّاد بن زيد، عن أيوب السختياني، عنه، به.
وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٧/ ٥٣٦ - ٥٣٧، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٨٥٩ (٤٧٥٧) من طريقي حماد بن زيد وإسماعيل ابن عُليّة، عن أيوب السختياني، به. وإسناده إلى سعيد بن جُبير صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>