للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحارِثِ، عن سعيدِ بن أبي هِلالٍ، أنَّ يحيى بن عبدِ الرَّحمنِ الثَّقفيَّ حدَّثهُ: أنَّ عيسى ابنَ مريمَ كان سائحًا، ولِذلك سُمِّي المسيحَ. قال: وإن (١) كان ليُمسي بأرضٍ، ويُصبِحُ بأُخرى (٢)، وأنّهُ لم يتزوَّجْ، ولم يرفَعْ حجرًا على حَجَرٍ، ولا لَبِنةً على لَبِنةٍ، وأنّهُ كان يجتابُ العباءةَ، ثمَّ يتدرَّعُها، ثمَّ يقولُ: أنا الذي أرغمتُ الدُّنيا. وأنّهُ لمّا كانتِ اللَّيلةُ التي رُفِعَ فيها، أُتِي بفِطرِهِ عندَ اللَّيلِ خُبزُ الشَّعيرِ اليابِسُ، والماءُ القَراح (٣)، فقالوا: أفْطِرْ يا رسُولَ الله، فقال: لا أستطيعُ، إنِّي مرفُوعٌ من بينَ أظهُرِكُم، فما أدري ما يُفعلُ بي ولا بكُم. قالوا: يا رسُول الله، إنَّكَ تُفارِقُنا فأوصِنا، قال: اعلمُوا أنَّ حُلوَ الدُّنيا مُرَّ الآخِرةِ، عَليكُم بحَشَراتِ الأرضِ، وخُبزِ الشَّعيرِ، وثِيابِ الشَّعرِ والصوفِ، وظِلِّ الشَّجرِ، وفيءِ الجُدُراتِ، واعلمُوا أنَّ حُلو الدُّنيا، مُرُّ الآخِرةِ.

قال ابنُ وَهْب: وأخبرني مالكُ بن أنسٍ قال: بلغني أنَّ عيسى ابن مريمَ انْتَهى إلى قَرْيةٍ قد خَرِبت حُصونُها، وجفَّت أنهارُها، وَيبِست أشجارُها، فنادى: يا خَرابُ، أين أهلُكُ؟ فلم يُجِبهُ أحدٌ، ثُمَّ نادى: يا خرابُ، أين أهلُك؟ فلم يُجِبهُ أحدٌ، ثُمَّ نادى الثّالثةَ، فنُودي: عيسى ابنَ مريمَ، بادُوا، وتضمَّنتهُمُ الأرضُ، وعادت أعمالُهُم قلائدَ في رِقابِهِم إلى يوم القيامةِ! عيسى ابنَ مريم، جِدَّ.

قال ابنُ وَهْب: وأخبرني (٤) أبو صَخْرٍ، أنَّ يزيدَ الرَّقاشيَّ حدَّثهُ، عن أَنَسِ بن مالكٍ، أنَّهُ قال: لمّا وُلِدَ عيسى عليه السَّلامُ، أصبحَ كلُّ صَنم يُعبَدُ من دُونِ الله خارًّا على وَجهِهِ.


(١) هذه الكلمة سقطت من م.
(٢) في م: "بأرض أخرى".
(٣) "الماء القراح" هو الذي لم يُخلط بغيره، من نبيذ، ولا عسل، ولا شيء. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/ ١٧٧.
(٤) هذه اللفظة لم ترد في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>