للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فأقبَلتِ الشَّياطينُ تَضْرِبُ وُجُوهَها وتَنتِفُ لحاها، فقالوا: يا أبانا، لقد حدَثَ في الأرضِ حَدَثٌ، فقال: وما ذلك؟ قالوا: ما كان من صَنم يُضلُّ به أحدٌ من وَلدِ آدم، إلّا أصبَحَ خارًّا على وجهِهِ. قال: فانظُرُوني حتَّى أنظُرَ.

قال: فأخذَ في أُفُقِ السَّماءِ حتَّى بلغَ المشرِق، ثُمَّ هاهُنا حتَّى بلغَ المغرِب، ثُمَّ هاهُنا حتَّى لا يُرَى، ثُمَّ هاهُنا حتَّى لا يُرَى، ثُمَّ هبطَ إليهم فقال: أمّا الذي تخافُونَ من السَّماءِ، فلم يَكُن شيءٌ بعدُ، ولكِنَّ هذا شيءٌ حدَثَ في الأرضِ، فانظُرُوني حتَّى أنظُرَ. فأخذ هاهُنا أيضًا حتَّى بلغ المشرِقَ، وهاهُنا حتَّى بلغ المغرِبَ، وههُنا حتَّى لا يُرَى، وهاهُنا حتَّى لا يُرَى، ثُمَّ احتبسَ عنهُم هُنيةً (١) ثُمَّ جاءَهُم فقال: هل تدرُونَ ما حَبَسني عنكُم؟ قالوا: لا قال: فإنَّ عيسى ابنَ مريمَ عليه السَّلامُ وُلِدَ في بيتِ المقدِسِ، وإنِّي أردتُ الدُّخُولَ، فوَجَدتُ الملائكةَ قد حَرسُوهُ، وحالَتْ بيني وبينهُ دعوةُ الطَّيِّبةِ، قولُها: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: ٣٦]، ما من مولُودٍ يُولَدُ، إلّا وضَعتُ إصْبَعي عليه، فالضَّغوُ (٢) الذي تَسْمعُونهُ تحتَ أُمِّهِ، فتلكَ إصْبَعي حِينَ أضَعُها عليه، فأرَدتُ أن أضَعَها عليه (٣) فحالَتْ بيني وبينهُ دعوةُ الطَّيِّبةِ، فوَإلهِ عيسى، لأُضِلَّنَّ به النّاس ضَلالًا، لا أُضِلُّهُم بأحَدٍ كان قَبَلهُ، أو أحَدٍ يكونُ بعدهُ.

قال ابنُ وَهْب: قال أبو صَخر: فحدَّثتُ هذا الحديثَ محمدَ بنَ كعبٍ القُرظيَّ، فقال: أيُّ الرَّقاشيِّين حدَّثكَ بهذا؟ فقلتُ: يزيدُ، قال: هلُمَّ حَدِّثنيه، فلمّا حدَّثتُهُ، قال: ألا أُحدِّثُك عن عيسَى ابنِ مريمَ؟ قلتُ: بلى، قال: فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى


(١) في م: "هنيهة". وكلاهما بمعنًى، وهنية: أي قليلًا من الزمان، وهو تصغير هنة، ويقال: هنيهة أيضًا. انظر: النهاية لابن الأثير ٥/ ٢٧٨.
(٢) الضغو: الصياح والبكاء. انظر: لسان العرب ١٤/ ٤٨٥.
(٣) في م: "على عيسى".

<<  <  ج: ص:  >  >>