للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَبعَثْ نبيًّا في أُمَّةٍ، إلّا جاءَ على رِجْلِهِ البَلاءُ، إمْساكُ المطرِ، والشِّدَّةُ، حتَّى كان عيسَى ابنُ مريمَ عليه السَّلام (١)، فلمّا وُلِدَ جاءَ على رِجْلِهِ الرَّخاءُ: فأمْطَرتِ السَّماءُ، وأخْصبتِ الأرضُ، وفُتِحَ لهُ البَرَكاتُ، وأبْرَأ الأكْمَهَ والأبْرَصَ، وكلَّم الموتَى وأحياهُم، وخلَقَ من الطِّينِ طُيُورًا، وأخبَرهُم بما يأكُلُونَ وما يدَّخِرُونَ، ثُمَّ عُمِّرَ بين أظهُرِهُم ما شاءَ اللهُ أن يُعمَّرَ، ثُمَّ أرسلَ اللهُ إليه: إنِّي رافِعُكَ إليَّ، فدخَلَ بيتًا، وجمعَ فيه حَواريَّهُ، ثُمَّ قال: إنَّ اللهَ رافِعي إليه، فأيُّكُم يُشبَّهُ (٢) بي فإنَّهُ مقتُولٌ، قال رجُلٌ من القوم: أنا، قال: أُوصيكُم بتقوَى الله، وأن تَبرُّوا من قَطَعكُم، وأن تُؤَدُّوا الحقَّ إلى من مَنعهُ مِنكُم، ولا تُكَافِئُوا النّاسَ بأعمالِهِم. فضُرِبَ البابُ، ورَفعهُ اللهُ إليه، وقُتِل الرَّجُلُ، قال الله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ١٥٧، ١٥٨]. فاجتمعَ بنُو إسرائيلَ، فُقهاؤُهُم وأحبارُهُم، فقالوا: ألا تقومُونَ فتَنظُرُونَ أيَّ شيءٍ كان هذا الذي كان بينَ أظهُرِكُم؟ قالوا: بَلَى، فاختارُوا الخيارَ النقّادةَ، لا يألُونَ، خمسينَ رجُلًا، ثُمَّ اختارُوا من الخمسينَ عَشَرةً، ثُمَّ اختارُوا من العشَرةِ أربعةً، فدَخَلُوا بيتًا، فقالوا: أنتُم سادَتُنا وخيارُنا، فينظُرُ كلٌّ واحدٍ مِنكُم برأيِهِ، فإنَّما نحنُ تَبع لكُم، فأخَذُوا شيخًا، وآخرَ دُونَ الشَّيخ في السَّنِّ، وآخرَ دُونهُ في السّنِّ (٣)، وفتًى شابًّا حينَ اسْتَوى شَبابُهُ. فبَدَأُوا بالشَّيخ لسِنِّهِ، فقال: هل تعلمُونَ أحدًا يعلمُ الغَيْبَ إلّا الله، ويُحيي الموتَى غيرَ الله، أو يُبرئُ الأَكْمَهَ والأَبْرَصَ إلّا الله؟ قالوا: لا، قال: فإنَّ هذا اللهُ كان بين أظهُرِكُم، ثُمَّ بَدا لهُ أنَّ يرتفِعَ فارتفعَ. قال الآخرُ: هل عندَكَ شيءٌ غيرُ هذا؟


(١) قوله: "عليه السَّلام" لم يرد في م.
(٢) في م: "يتشبه".
(٣) زاد هنا في الأصل: "وآخر دونه في السِّن".

<<  <  ج: ص:  >  >>