للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: لا، قال: لا أقُولُ مِثلَ ما قُلتَ، هل تعلمُونَ أحدًا يعلمُ الغيبَ إلّا الله، ويُبرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ، ويخلُقُ إلّا الله؟ قالوا: لا. قال: هذا ابْنُهُ، عَلَّمهُ من خَلائقِهِ ما شاءَ، ثُمَّ بَدا لهُ أن يرفَعهُ إليه، فرفعهُ. قال الثّالِثُ: هل عندَكُما شيءٌ غيرُ هذا؟ قالا: لا. قال: فإنِّي لا أقُولُ كما قلتُما، ولكِن هل تعلمُونَ أحدًا خُلِقَ من غيرِ نُطفةٍ إلّا آدم؟ قالوا: لا. قال: فإنَّهُ لُغيَّةٌ (١). فقامَ الشّابُّ فقال: هل عندَكُم غيرُ هذا؟ قالوا: لا، قال: فإنِّي لا أقُولُ كما قلتُم، وأشهدُ، ما هُو باللّه، ولا ولَدِ الله، ولا لُغيَّةٍ، ولكِن رُوحُ الله، وكَلِمتُهُ ألقاها إلى مريمَ، فقال لهُ: كُنْ، فكان (٢). ثُمَّ خَرجُوا على قَومِهِم وهُم جُلُوسٌ، فقالوا: ماذا قلتُم؟ فقال الكبيرُ: قلتُ: هُو الله. فاتَّبعتهُ فِرقةٌ. ثُمَّ قال الآخرُ: هُو ولدُ الله، فاتَّبعتهُ (٣) فِرْقةٌ. ثُمَّ قال الآخرُ: هُو لغيَّةٌ، فاتَّبعتهُ فِرْقةٌ. وقال الآخرُ: هُو عبدُ الله ورُوحُهُ، وكلِمتُهُ ألقاها إلى مريمَ، فاتَّبعتهُ فِرقةٌ. فقالوا: كيفَ نعيشُ وهذا معنا؟ فاقتُلُوهُ، فقُتِلَ الفَتَى ومَنْ مَعهُ.

قال: فلِذلكَ قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: ٣٧]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: ١٧]، وقال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} [التوبة: ٣٠]، وقال: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: ١٥٦]. فهؤُلاءِ الذين قالوا: هُو لغيَّةٌ، قال: {مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: ٦٦] فهذا الشّابُّ وأصحابُهُ الأُمَّةُ المُقتصِدةُ.


(١) لغية: أي ولد زنى. انظر: لسان العرب ١٥/ ١٤٢.
(٢) زاد هنا في م: "فاستوى".
(٣) في م: "فتبعته".

<<  <  ج: ص:  >  >>