للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجاز أبو حنيفةَ وأصحابُه مع تَخْلِيلِها أن يُصنَعَ من الخمرِ المُرَبَّى (١) وغيرُه، وبأيِّ وَجْهٍ أُفْسِدَتْ وزالَتْ علَّةُ السُّكْرِ منها طابَتْ عندَهم، وطَهُرَتْ (٢). وأمّا غيرُهم ممَّن ذكَرْنا عنهم إجازةَ تَخْلِيلِ الخمر، فإنَّهم لا يُجيزون منها غيرَ الخلِّ على أصْلِها.

ولم يَختلِفْ قولُ مالكٍ وأصحابِه أنَّ الخمرَ إذا تخلَّلَتْ بذاتِها، أنَّ أكْلَ ذلكَ الخَلِّ حَلالٌ. واختَلَف قولُه في تَخْلِيلِها؛ فكَرِهه مرَّة، وأجازَه أُخْرَى، والأشْهَرُ عنه كَراهِيةُ ذلك. وتَحْصيلُ مَذْهَبِه أنّه لا يَنْبَغي لمسلم أنْ يُمْسِكَ خَمْرًا ولا مُسْكِرًا ليَتَخَلَّلَ، ولا يَنبَغي لأحَدٍ أنْ يُخَلِّلَها، فإنْ فَعَل أكَلَها، وكُرِهَ له فِعْلُ ذلك (٣).

وقد رُوِيَ عن عمرَ بنِ الخَطّاب، وقَبِيصَةَ، وابنِ شِهاب، ورَبِيعَة (٤)، كراهِيَةُ تَخْلِيلِ الخمرِ، وإجازَةُ أكْلِها إذا تخَلَّلَتْ بذاتِها. وهو أحَدُ قولي الشافعيّ، وهو تَحْصِيلُ مَذْهَبِه عندَ أكثرِ أصحابِه، وعلى هذا أكثرُ العلماء؛ لأنّه يَجتَمِعُ على هذا القولِ مَذْهَبُ مَن أجاز تَخْلِيلَها بكُلِّ وَجْه، ومَذْهَبُ مَن أباحَها إذا تخَلَّلَتْ من ذاتِها (٥).


(١) هكذا في النسخ، وهو الذي في المبسوط للسرخسي ٢٤/ ٢٤، ومختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٥٩ - ٣٦٢.
(٢) نقله عن أبي حنيفة وأصحابه الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٥٩. وينظر: كتاب الحجّة على أهل المدينة لمحمد بن الحسن الشيباني ٣/ ١٠ - ١٤.
(٣) وقول مالك في ذلك كما في المدوّنة ٤/ ٥٢٥: "الخمر إذا ملكها المسلمُ فلْيُهْرِقْها، فإنِ اجتَرأ عليها فخلّلها حتى صارت خلًّا فليأكُلْها، وبئسَ ما صنع".
(٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٦١ - ٣٦٢، كما سيأتي تخريج أثر عمر قريبًا.
(٥) ينظر: حلية العلماء لأبي بكر القفّال الشاشي الشافعي ١/ ٢٤٥، والمجموع شرح المهذب للنووي ٢/ ٥٧٨ - ٥٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>