للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أنسِ بنِ مالك، قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حَجْرِه يتيمٌ، وكان عندَه خمرٌ له حينَ حرِّمَتِ الخمرُ، فقال: يا رسولَ اللَّه، نَصْنَعُها خَلًّا؟ قال: "لا" (١).

وسنَذكُرُ آثارَ هذا البابِ بأسانيدِها في بابِ زيدِ بنِ أسْلَمَ، عن ابنِ وَعْلةَ مِن هذا الكتاب (٢).

فبهذا احْتَجَّ مَن كَرِه تَخْليلَ الخمرِ ولم يُبحْ أكْلَها إذا تخلَّلَتْ. وقالوا: لو جاز تَخْليلُها لم يأمُرْ رسولُ اللَّه عليه السلامُ بإراقَتِها، وقد استُؤذِنَ في تَخْليلِها فقال: "لا"، ونَهى عن ذلك؛ ذهَبَ إلى هذا طائفةٌ من العلماءِ من أهلِ الحديثِ والرَّأي (٣)، وإليه مالَ سُحْنُونُ بنُ سعيد (٤).

وقال آخرون: لا بأسَ بتَخليلِ الخمر، ولا بأسَ بأكلِ ما تخلَّلَ منها بمُعالجةِ آدَميٍّ وبغيرِ معالَجَتِه على كلِّ حال. وهو قولُ الثوريِّ، والأوزاعيِّ، والليثِ بنِ سعد، والكوفيِّين (٥). ومن حُجَّةِ هؤلاء إجماعُ العلماءِ على أنَّ العصيرَ من العِنَبِ قبلَ أن يُسْكِرَ حلالٌ، فإذا صار مُسْكِرًا حَرُم؛ لعِلَّةِ ما حدَث فيه من الشِّدَّةِ والإسكار، فإذا زال ذلك عادَتِ الإباحَةُ، وزال التحريمُ، وسواءٌ تَخَلَّلَتْ من ذاتِها، أو تخَلَّلَتْ بمعالجةِ آدَميٍّ، لا فرقَ بينَ شيءٍ من ذلك إذا ذهَبَ منها حالُ الإسْكار.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٤٥٧٥)، وأحمد في المسند ١٩/ ٢٢٦ (١٢١٨٩)، وأبو داود (٣٦٧٥). ورجال إسناده ثقات، غير السُّدِّي: وهو إسماعيل بن عبد الرحمن، فهو صدوق حسنُ الحديث كما هو موضّحٌ في تحرير التقريب (٤٦٣). وسيأتي بإسناد المصنِّف من هذا الوجه في أثناء شرح الحديث الخامس عشر لزيد بن أسلم في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٢) في الموضع المشار إليه قبل التعليق السابق.
(٣) ينظر تفصيل الأقوال الواردة في تخليل الخمر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٣٥٩ - ٣٦٣.
(٤) ينظر: البيان والمحصيل لأبي الوليد ابن رشد ١٨/ ٦١٩ - ٦٢٠.
(٥) نقله عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>