للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يحِلُّ للمُضطرِّ أن يأكُلَ الميتةَ وهُو يجدُ مالَ مُسلِم، لا يخافُ فيه قطعًا، كالثَّمرِ المُعلَّقِ، وحَرِيسةِ الجَبَلِ، ونحوِ ذلك مِمّا لا يَخشى فيه قطعًا ولا أذًى (١).

وجُملةُ القولِ في ذلكَ: أنَّ المُسلِمَ إذا تعيَّنَ (٢) عليه ردُّ مُهْجةِ المُسلِم، وتوجَّهَ الفرضُ في ذلكَ إليه، بأنْ لا يكونَ هُناكَ غيرُهُ، قُضِيَ عليه بتَرْميقِ (٣) تِلك المُهجةِ الآدميَّةِ، وكان للممنُوع (٤) ما لُهُ من ذلك: مُحاربةُ مَن منَعَهُ ومُقاتلتُهُ، وإن أتَى ذلك على نَفسِهِ، وذلكَ عندَ أهلِ العِلم إذا لم يَكُن هُناكَ إلّا واحدٌ لا غيرُ، فحينَئذٍ يتعيَّنُ عليه الفرضُ، فإن كانوا كثيرًا، أو جماعةً وعددًا: كان ذلك عليهم فرضًا على الكِفايةِ، والماءُ في ذلكَ وغيرُهُ مِمّا يرُدُّ نفسَ المُسلِم ويُمسِكُها سواءٌ، إلّا أنَّهُمُ اختلفُوا في وُجُوبِ قيمةِ ذلك الشَّيءِ على الذي (٥) ردَّ به مُهجتَهُ، ورمَّق به نفسَهُ، فأوَجَبها مُوجِبُونَ وأباها آخرُون.

ولا خِلافَ بينِ أهلِ العِلم، مُتأخَّريهِم ومُتقدِّميهِم، في وُجُوبِ رَدِّ مُهجةِ المُسلِم، عندَ خوفِ الذَّهابِ والتَّلفِ، بالشَّيءِ اليَسيرِ الذي لا مَضرَّةَ فيه على صاحِبِه، وفيه البُلْغةُ. وهذه المسألةُ قد جَوَّدها إسماعيلُ بن إسحاق في "الأحكام"، وجوَّدها أيضًا غيرُهُ، ولها مَوْضِعٌ من كتابنا غيرُ هذا إن شاءَ الله، نذكُرُها ونذكُرُ ما فيها من الآثارِ عن السَّلفِ، وباللّه العَوْنُ.

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: حدَّثنا بكرُ بن حمّادٍ، قال: حدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا يحيى، عن (٦) عُبيدِ الله، قال: حدَّثني


(١) انظر: موطأ مالك ٢/ ٤٠٢ - ٤٠٣ (٢٤٣٠).
(٢) في م: "تبين".
(٣) الرمق: بقية الحياة، ورمَّقوه يُرمِّقونه بشيء، قدر ما يستمسك به رمقه. انظر: غريب الحديث للخطابي ٢/ ٣٨٣.
(٤) زاد هنا في م: "منه".
(٥) في م: "أن".
(٦) في الأصل: "بن"، خطأ ظاهر.

<<  <  ج: ص:  >  >>