للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا اتِّخاذُها للمَنافع، فما أظُنُّ شيئًا من ذلكَ مَكْرُوهًا؛ لأنَّ النّاسَ يَسْتعمِلُونَ اتِّخاذَها للمنافع ودَفْع المضرَّةِ، قرنًا بعد قرنٍ، في كلِّ مِصرٍ وباديةٍ، فيما بلغنا، واللّه أعلمُ.

وبالأمصارِ عُلماءُ يُنكِرُونَ المُنكرَ ويأمُرُونَ بالمعرُوفِ، ويسمَعُ السُّلطانُ منهُم، فما بَلَغنا عنهُم تغييرُ ذلكَ، إلّا عندَ أذًى يحدُثُ، من عَقْرِ الكلبِ ونحوِهِ، وإن كُنتُ ما أحبُّ لأحَدٍ أن يتَّخِذ كلبًا ولا يَقْتنيهُ، إلّا لصيدٍ، أو ماشيةٍ في باديةٍ أو ما يجري مجرَى الباديةِ من المَواضِع المخُوفِ فيها الطَّرقُ والسَّرقُ، فيجُوزُ حينئذٍ اتِّخاذُ الكِلابِ فيها للزَّرع وغيرِهِ، لِما يُخشى من عاديةِ الوَحْشِ وغيرِهِ، واللّه أعلمُ.

وقد سُئِل هشامُ بن عُروةَ عن الكلبِ يُتَّخذُ للدّارِ، فقال: لا بأسَ به، إذا كانتِ الدّارُ مَخُوفةً.

حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ بن يحيى، قال: حدَّثنا عليُّ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن أبي سُليمان، قال: حدَّثنا سحنُونُ، قال: حدَّثنا ابنُ وَهْب، قال: حدَّثني عُمر (١) بن محمدٍ، أنَّ سالم بن عبدِ الله بن عُمرَ حدَّثهُ، عن أبيهِ، قال: وعدَ جِبريلُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فراثَ (٢) عليه، حتَّى اشتدَّ على رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرجَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فلَقِيهُ، فشَكا إليه ما وجَدَ، فقال: "إنّا لا ندخُلُ بيتًا فيه كلبٌ، ولا صُورةٌ" (٣).


(١) في الأصل: "عمرو"، محرف، وهو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، المدني نزيل عسقلان، أخو زيد بن محمد. انظر: تهذيب الكمال ٢١/ ٤٩٩.
(٢) الريث، الإبطاء، يقال: راث علينا فلان، أي: أبطأ. انظر: العين للخليل ٨/ ٢٣٥.
(٣) أخرجه البخاري (٣٢٢٧، ٥٩٦٠)، وأبو عوانة (٥٣٤٠)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٢٨٣، من طريق ابن وهب، به. وانظر: المسند الجامع ١٠/ ٦٠٢ (٧٩٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>