للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ آخرُونَ إلى أَنَّهُ لا يجُوزُ قتلُ شيءٍ من الكِلابِ، إلَّا الكلبَ العَقُورَ. وقالوا: أمْرُهُ بقتلِ الكِلابِ منسُوخٌ بنهيِهِ - صلى الله عليه وسلم - أن يُتَّخذَ شيءٌ فيه الرُّوحُ غَرَضًا (١)، وبقولِهِ عليه السَّلامُ: "خمسٌ من الدَّوابِّ يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَم" (٢)، فذكَرَ منهُنَّ الكلَبَ العَقُورَ، فخَصَّ العَقُور دُونَ غيرِهِ؛ لأنَّ كلَّ ما يَعقِرُ المُؤمِنَ ويُؤذيهِ، ويُقدَرُ عليه، فواجِبٌ قتلُهُ. وقد قيلَ: العَقُورُ هاهُنا، الأسدُ وما أشبههُ من عقّارَةِ سِباع الوحشِ.

قالوا - في قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -، حينَ ضربَ المثلَ برجُلٍ وجدَ كلبًا يَلْهثُ عَطَشًا، على شفيرِ بِئرٍ، فاسْتَسْقَى (٣) فسَقَى الكلبَ، فشكَرَ اللهَ لهُ ذلكَ، فغفَرَ لهُ، فقيلَ: يا رسُولَ الله، أوَ في مِثلِ هذا أجرٌ؟ فقال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "في كلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أجْرٌ" (٤) -: دليلٌ على أَنَّهُ لا يجُوزُ قَتْلُ شيءٍ من الحَيَوانِ، إلّا ما أضرَّ بالمُسلِم، في مالٍ أو نَفْسِ، فيكونُ حُكمُهُ حُكمَ العدُوِّ المُباح (٥) قتلُهُ. وأمّا ما انتفَعَ به المُسلِمُ، من كَلِّ ذي كَبِدٍ رَطْبةٍ، فلا يجُوزُ قتلُهُ؛ لأنَّهُ كما يُؤجَرُ المرءُ في الإحْسانِ إليه، كذلكَ يُؤزَرُ في الإساءةِ إليه، واللّه أعلمُ.

واحتجُّوا أيضًا: بما حدَّثنا سعيدُ بن نصرٍ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبَغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن وضّاح، قال: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شيْبةَ، قال: حدَّثنا أبو خالدٍ الأحمرُ، عن هشام، عن محمدٍ، عن أبي هُريرةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أنَّ امرأةً بَغِيًّا


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٤/ ٢٨٢ (٢٤٨٠)، ومسلم (١٩٥٧)، وابن ماجة (٣١٨٧)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٢٣٨، وفي الكبرى ٤/ ٣٦٥ (٤٥١٧) من حديث ابن عباس.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٧٩ (١٠٢٦، ١٠٢٧) من حديث ابن عمر.
(٣) في م: "فاستسقى"، والمثبت من الأصل، وهو الصواب.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٥١٨ - ٥١٩ (٢٦٨٨) من حديث أبي هريرة.
(٥) في الأصل: "والمباح"، خطأ بيِّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>