للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأت كلبًا في يوم حارٍّ، يُطِيفُ ببِئرٍ، قدِ أدْلَعَ لِسانَهُ (١) من العَطَشِ، فنَزَعت لهُ بمُوقِها (٢)، فغُفِرَ لها" (٣).

قال أبو عُمر: حَسْبُك بهذا فَضْلًا في الإحْسانِ إلى الكلبِ، فأينَ قتلُهُ من هذا؟ ومِمّا في هذا المعنى أيضًا، قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "دَخَلتِ امرأةٌ النّارَ في هِرَّةٍ رَبَطتها حتَّى ماتت جُوعًا" (٤). فهذا وما أشبههُ يدُلُّ على ما قُلنا.

قال أبو عُمر: كلُّ ما ذكَرْنا قد قيلَ فيما وصَفْنا، وباللّه عِصمتُنا وتوفيقُنا.

وقد ذكَرْنا ما للعُلماءِ في بيع الكِلابِ مُسْتوعبًا، في بابِ ابن شِهاب، عن أبي بكر بن عبدِ الرَّحمنِ، من كِتابِنا هذا، فلا وجهَ لإعادتِهِ هاهُنا.

والذي أختارهُ في هذا البابِ: أنْ لا يُقتلَ شيءٌ من الكِلابِ، إذا لم تَضرَّ بأحدٍ، ولم تعقِرَ أحدًا، لنَهيِهِ - صلى الله عليه وسلم - أن يُتَّخذَ شيءٌ فيه الرُّوحُ غرضًا. ولِما تقدَّمَ ذكرُنا لهُ من حُجَّةِ منِ اخْتَرنا قولهُ.

ومن الحُجَّةِ أيضًا لِما ذَهَبنا إليه، في أنَّ الأمرَ بقتلِ الكِلابِ منسُوخٌ: تركُ قَتلِها في كلِّ الأمصارِ، على اختِلافِ الأعْصارِ، بعد مالكٍ رحِمهُ الله، وفيهمُ العُلماءُ والفُضَلاءُ، مِمَّن يذهبُ مذهبَ مالكٍ وغيرِهِ، ومن لا يُسامِحُ في شيءٍ من المَناكِرِ


(١) أدلع لسانه: أخرجه من شدة العطش. انظر: لسان العرب ٨/ ٩٠.
(٢) المُوق: هو الخف، فارسي معرب. انظر: النهاية لابن الأثير ٣/ ٣٧٢.
(٣) أخرجه مسلم (٢٢٤٥) (١٥٤)، وأبو يعلى (٦٠٣٥)، وابن حبان ٢/ ١١٠ (٣٨٦) من طريق ابن أبي شيبة، به. وأخرجه أحمد في مسنده ١٦/ ٣٤٣ (١٠٥٨٣) من طريق هشام، به. وأخرجه البخاري (٣٤٦٧)، ومسلم (٢٢٤٥) (١٥٥)، وأبو يعلى (٦٠٤٤)، والبيهقي في الكبرى ٨/ ١٤، من طريق محمد بن سيرين، به. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٦٠١ (١٤١٧٧).
(٤) أخرجه البخاري (٢٣٦٥، ٣٣١٨، ٣٤٨٢)، ومسلم (٢٢٤٢)، وعبد بن حميد (٧٨٩)، والبزار في مسنده ١٥/ ١٣٩ (٨٤٥٤)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ١١٤ من حديث ابن عمر.
وانظر: المسند الجامع ١٠/ ٦٥٥ - ٦٥٦ (٨٠٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>