للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعاصي الظّاهِرةِ، إلّا ويبدُرُ إلى إنكارِها ويَثِبُ إلى تَغْييرِها، وما علِمتُ فقيهًا من فقهاءِ (١) المُسلِمين، ولا قاضيًا عالِمًا قَضَى بردِّ شَهادةِ من لم يَقتُلِ الكِلابَ التي أمَرَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلِها، ولا جعلَ اتِّخاذَ الكِلابِ في الدُّورِ جُرْحةً يَرُدُّ بها شهادةً، ولولا عِلْمُهُم بأنَّ ذلكَ من أمرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كان لمعنًى وقد نُسِخَ، ما اتَّفقت جماعتُهُم على تركِ امتِثالِ أمرِهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّهُم لا يجُوزُ على جميعِهِمُ الغَلَطُ وجَهلُ السُّنَّة.

وقد بيَّنّا في الباب قبلَ هذا، أنَّهُ لم يُكرَهِ اتِّخاذُ الكَلْبِ في الدُّورِ، إلّا لِما فيه من دَفْع السّائِل، وترويع المُسلِم، واللّه أعلمُ.

وأمّا قولُ من ذهَبَ إلى قتلِ الأسْوَدِ منها، بأنَّهُ شيطانٌ، على ما رُوِيَ في ذلكَ، فلا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد سَمَّى من غلَبَ عليه الشَّرُّ من الإنسِ والجِنِّ شيطانًا بقولِهِ: {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: ١١٢]، ولم يجِب بذلك قتلُهُ. وقد جاءَ في الحديثِ المرفُوع: أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجُلًا يتبَعُ حمامةً، فقال: "شَيْطانٌ يتبَعُ شَيْطانةً" (٢). وليس في ذلك ما يدُلُّ على أنَّهُ كان مَسْخًا من الجِنِّ، ولا أنَّ الحمامةَ مُسِخت من الجِنِّ، ولا أنَّ ذلكَ واجِبٌ قتلُهُ، وقد قيلَ: إنَّ سُورةَ المائِدةِ نَسَختِ الأمرَ بقتلِ الكِلابِ.

أخبرنا قاسمُ بن محمدٍ، قال: حدَّثنا خالدُ بن سعدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن عَمرو، قال: حدَّثنا محمدُ بن سَنْجر، قال: حدَّثنا الفِرْيابيُّ، قال: حدَّثنا سُفيانُ، عن موسى بن عُبيدةَ، عن القَعْقاع بن حَكيم، عن سَلْمَى أُمِّ رافِع، عن أبي رافع،


(١) في م: "الفقهاء"، والمثبت من النسخ.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ١٤/ ٢٢١ (٨٥٤٣)، والبخاري في الأدب المفرد (١٣٠٠)، وأبو داود (٤٠٤٩)، وابن ماجة (٣٧٦٥)، وابن حبان ١٣/ ١٨٣ (٥٨٧٤) من حديث أبي هريرة. وإسناده حسن، فإنه من رواية محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٦٣٩ (١٤٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>