للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَوَى شُعبةُ، عن خالدٍ الحذّاءِ، عن أبي بِشْرٍ العَنْبريِّ، عن ابن التِّلِبِّ، عن أبيهِ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أنَّ رجُلًا أعتقَ نَصِيبهُ من مملُوكٍ، فلم يُضمِّنهُ النَّبيُّ عليه السَّلامُ (١).

وهذا عندَ جَماعةِ العُلماءِ على المُعسِرِ، لأنَّ المُوسِرَ لم يختلِفُوا في تَضْمينِهِ، وأنَّهُ يَلْزمُهُ فيه (٢) العِتقُ، إلّا ما لا يُلْتفتُ إليه من شُذُوذِ القولِ، ونحنُ نذكُرُ ما انتهى إلينا من اختِلافِ العُلماءِ في ذلك هُنا إن شاءَ الله.

ومِثلُ حديثِ ابن التِّلِبِّ عن أبيهِ في هذا البابِ، قِصَّةُ أبي رافِع مولى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكَرْناها في بابِ أسلمَ من كِتابِ "الصَّحابةِ" (٣)، والحمدُ للّه.

وأمّا اختِلافُ الفُقهاءِ في هذا البابِ، فإنَّ مالكا وأصحابَهُ يقولُونَ: إذا أعتقَ المليءُ المُوسِرُ شِقْصًا لهُ في عَبْدٍ، فلِشَريكِهِ أن يُعتِقَ بِتْلًا (٤)، ولهُ أن يُقوَّمَ، فإن أعتقَ نَصِيبَهُ كما أعتقَ شريكُهُ قبلَ التَّقويم، كان الولاءُ بينهُما، كما كان المِلكُ بَيْنهُما، وما لم يُقوَّم، ويحكُم بعِتْقِهِ، فهُو في جميع أحكامِهِ كالعَبْدِ، وإن كان المُعتِقُ لنصيبِهِ من العَبْدِ عديمًا، لم يعتِقْ غيرَ حِصَّتِهِ، ونصيبُ الآخرِ رِقٌّ لهُ، ويخدِمُ العبدُ هذا يومًا، ويكسِبُ لنَفسِهِ يومًا، أو يُقاسمُهُ كَسْبهُ، وإن كان المُعتِقُ مليًّا ببعضِ نَصيبِ (٥) شَريكِهِ، قُوِّمَ عليه قدرَ ما مَعهُ، ورَقَّ بَقِيَّةَ النَّصيبِ لربِّهِ، ويُقْضَى عليه في ذلكَ، كما يُقْضَى في سائرِ الدُّيُونِ الثّابِتةِ اللّازِمةِ والجِناياتِ،


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٣٩/ ٥٠٨ (٢٤٠٠٩/ ٦٨)، وأبو داود (٣٩٤٨)، والنسائي في الكبرى ٥/ ٣٤ (٤٩٥٠)، وابن قانع في معجم الصحابة ١/ ١١٢، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٨٤، من طريق شعبة، به.
(٢) في م: "في".
(٣) الاستيعاب ١/ ٨٣ - ٨٤.
(٤) البتل: القطع. انظر: لسان العرب ١١/ ٤٢.
(٥) هذه اللفظة سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>