للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجَّةِ مالكٍ، ومن تابَعهُ على ما ذكَرْنا من قولِهِ في هذا البابِ في العَبْدِ المُعتَقِ بعضُهُ: أَنَّهُ لا يعتِقُ على مُعتِقٍ حِصَّتهُ منهُ حتَّى يُقوَّم ويُحكمَ بذلك عليه، فإذا تمَّ ذلكَ، نفَذَ عِتقُهُ حينَئذٍ.

فمِن حُجَّتِهِم في ذلكَ: قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ مالكٍ، عن نافع، عن ابن عُمرَ: "من أعتَقَ شِرْكًا لهُ في عبدٍ، وكان لهُ مالٌ يبلُغُ ثمنَ العبدِ، قُوِّمَ عليه قيمَةُ عَدْلٍ فأعطَى شُركاءَهُ حِصَصهُم، وأعتَقَ عليه العبدُ". قالوا: فلم يقضِ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعِتقِ العَبدِ إلّا بعد أن يأخُذ الشُّركاءُ حِصَصهُم، فمن (١) أعتَقهُ قبل ذلك فقد خالفَ نصَّ السُّنَّةِ في ذلكَ.

قالوا: ومعلُومٌ أَنَّهُ يعتِقُ على الإنسانِ ما يَمْلِكُهُ، لا مِلكُ غيرِهِ، وإنَّما يملِكُهُ بأداءِ القِيمَةِ إلى شَريكِهِ إذا طلَبَ الشَّريكُ ذلكَ، ألا تَرَى أَنَّهُ لو كان مُعسِرًا، لا يُحكَمُ عليه بعِتق؟

وفي ذلك دليلٌ واضِحٌ على اسْتِقرارِ مِلْكِ الذي لم يعتِقْ بغيرِ عِتْقِ شَريكِهِ لنَصيبِهِ، وإذا كان مِلكُهُ ثابتًا مُسْتقِرًّا، استحالَ أن يعتِقَ على الآخرِ ما لم يَمْلِكهُ، فإذا قُوِّمَ عليه، وحُكِمَ بأداءِ القيمَةِ إليه، مَلَكهُ، ونفَذَ عِتقُ جميعِهِ بالسُّنَّةِ في ذلك.

والسُّنّةُ في هذا، كالسُّنَّةِ في الشُّفعةِ؛ لأنَّ ذلكَ كلَّهُ نَقْلُ مِلكٍ بعِوَضِ على غيرِ تَراضٍ، أحْكَمتهُ الشَّريعةُ وخصَّتهُ، إذا طلَبَ الشَّريكُ أوِ الشَّفيعُ ما لهما من ذلك.

وليسَ ما رواهُ أيُّوبُ، من قولِهِ: "فهُو عِتقٌ" مُخالِفًا لِما رواهُ مالكٌ، بل هُو مُجملٌ، فسَّرهُ مالكٌ في رِوايتِهِ، ومُبهمٌ أُوضَحَهُ؛ لأنَّهُ يحتمِلُ قولَهُ: "فهُو عَتِيقٌ كلُّهُ"، أو "فهُو مُعتقٌ كلُّهُ"، أي: بعدَ دفع القيمَةِ إلى الشُّركاءِ.

وأكثرُ أحوالِهِم في ذلك، أن يحتمِلَ الحديثُ الوجهينِ جميعًا، فإذا احتملهما، فمعلُومٌ أنَّ العبدَ رقيقٌ بيَقينٍ، ولا يعتِقُ إلّا بتقينٍ، واليَقِينُ ما اجتمَعَ عليه من حُرِّيَّتِهِ بعدَ دفع القِيمَةِ، وهُو أحدُ قوليِ الشّافِعيِّ.


(١) في الأصل: "ممن".

<<  <  ج: ص:  >  >>