للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَنْ قال من أصحابنا: إنَّ النَّضحَ طهارةٌ لما شُكَّ فيه فإنّما أخذَه من فعلِ عمرَ بنِ الخطاب رضي اللَّهُ عنه حينَ احتلَم في ثوبِه، فقال: أغسِلُ منه ما رأيتُ، وأنضَحُ ما لم أرَه (١).

ومن قال من أصحابنا: إنَّ النَّضحَ لا معنَى له، فهو قولٌ يَشهَدُ له النَّظرُ والأصولُ بالصِّحَّة، ورُوِيَ عن جماعةٍ من السَّلفِ في الثَّوبِ النَّجِسِ أنّهم قالوا: لا يَزيدُه النَّضحُ إلّا شرًّا (٢)، وهو قولٌ صحيحٌ. ومَن ذهَب بحديثِ عمرَ إلى قَطع الوَسْوسةِ وحَزازاتِ النَّفس، في نَضحِه من ثوبِه ما لم يرَ فيه شيئًا من النَّجاسة، كان وجْهًا حسَنًا صحيحًا إن شاء اللَّه.

قال الأخفشُ: كلُّ ما وقَع عليك من الماءِ مُفرَّقًا فهو نَضْحٌ، ويكونُ النَّضحُ باليدِ وبالفم أيضًا. قال: وأمّا النَّضخُ بالخاءِ المنقوطة: فكلُّ ماءٍ أتى كثيرًا مُنهمِرًا، ومنه قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن: ٦٦]. أي: مُنهَمِرتانِ بالماءِ الكثير.

وفي هذا الحديثِ أيضًا حُجَّةٌ على أبي حنيفة؛ لأنه يقول: إذا كانوا ثلاثةً وأرادُوا أن يُصلُّوا جماعةً قام إمامُهم وسَطَهم ولم يتقدّمْهم. واحتجَّ بحديثِ ابنِ مسعود (٣). وفي هذا الحديث: وصَففْتُ أنا واليتيمُ من ورائِه، والعجوزُ من ورائِنا.

وقد رُوِيَ عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّه، قال: صلَّى رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بي وبجبّارِ بنِ


(١) أخرجه مالك في الموطّأ ١/ ٩٥ (١٢٥) عن هشام بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب؛ الحديث.
(٢) ومنهم عامر بن شراحيل الشعبي صاحب هذا القول، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٩١) عن جرير بن عبد الحميد، عن عطاء بن السائب، عنه.
(٣) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>