للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الشّافِعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، وأبو ثَوْر، فكلُّ هذا عندَهُم وصيَّةٌ، والمُدبَّرُ عندَهُم وصيَّةٌ يَرْجعُ فيها، والمُدبَّرُ وغيرُ المُّدَبَّرِ من سائرِ ما ينفُذُ بعد الموتِ في الثُّلُثِ من الوَصايا عندَهُم سواءٌ، يرجِعُ صاحِبُهُ في ذلكَ كلِّهِ، وفيما شاءَ منهُ، إلّا أنَّ الشّافِعيَّ قال: لا يكونُ الرُّجُوعُ في المُدبَّرِ، إلّا بأن يُخرِجَهُ من مِلْكِهِ ببيع أو هِبَة (١). وليسَ قولُهُ: قد رجعتُ، رُجُوعًا، وإن لم يُخرِج المُدبَّرَ من مِلْكِهِ حتَّى يمُوتَ، فإنَّهُ يعتِقُ بموتِهِ. وقال في القديم: يرجِعُ في المُدبَّرِ بما يرجِعُ في الوَصِيَّةِ. وأجازَهُ المُزنيُّ (٢)، قياسًا على إجماعِهِم على الرُّجُوع فيمَنْ أوصَى بعِتقِهِ.

وقال أبو ثَوْرٍ: إذا قال: قد رَجَعتُ في مُدبَّري فُلانٍ، فقد بطَلَ التَّدبيرُ، فإن ماتَ: لم يعتِقْ.

وحُجَّةُ الشّافِعيِّ ومن قال بقولِهِ، في أنَّ المُدبَّر وَصِيَّةٌ: إجماعُهُم على أَنَّهُ في الثُّلُثِ كسائرِ الوَصايا، وفي إجازَتِهِم وَطءَ المُدبَّرةِ ما يَنقُضُ قياسَهم المُدَبَّرَ (٣) على المُعتَقِ إلى أجَل.

وقد ثبتَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - باع مُدبَّرًا (٤)، وأنَّ عائشَةَ دبَّرت جاريةً لها ثُمَّ باعَتْها (٥)، وهُو قولُ جابر، وابنِ المُنكدِرِ، ومُجاهِدٍ، وجماعةٍ من التّابِعينَ (٦).


(١) انظر: الأم ٨/ ١٨.
(٢) في الأصل: "المازني"، وهو تحريف ظاهر، وينظر قوله في مختصره ٨/ ٤٣١.
(٣) هذه الكلمة سقطت من م.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٢٢/ ٢١٣ - ٢١٤ (١٤٣١١)، والبخاري (٢٢٣١)، ومسلم (٩٩٧)، وأبو داود (٣٩٥٥)، وابن ماجة (٢٥١٣)، والترمذي (١٢١٩)، وابن الجارود في المنتقى (٩٨٣)، وأبو يعلى (١٨٢٥) من حديث جابر بن عبد الله. وانظر: المسند الجامع ٤/ ١٠٩ - ١١٠ (٢٥٢٢).
(٥) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٦٦٦٧)، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٣١٣.
(٦) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (١٦٦٦٦، ١٦٦٧٣)، والمحلى لابن حزم ٩/ ٦٦٩ - ٦٧٠، وسنن البيهقي الكبرى ١٠/ ٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>