للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أصلٌ مُسْتَعملٌ عندَ أهلِ العِلم، ألّا تزُولَ عن أصلٍ أنتَ عليه بيقين (١)، إلّا بيَقِينٍ مِثلِهِ، وأن لا يُترَكَ اليَقِينَ بالشَّكِّ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]، يُريدُ، واللّه أعلمُ، من عَلِم مِنكُم بدُخُول الشَّهرِ.

والعِلمُ في ذلكَ ينقسِمُ قِسمينِ، أحدُهُما: ضرُوريٌّ. والآخرُ، غَلَبةُ ظنٍّ.

فالضَّرُوريُّ: أن يرى الإنسانُ الهِلالَ بعينِهِ، في جماعةٍ كان أو وحدَهُ، أو يَسْتفيضَ الخبرُ عندَهُ، حتَّى يبلُغ إلى حدٍّ يُوجِبُ العِلم، أو يُتِمَّ شعبانَ ثلاثينَ يومًا، فهذا كلُّهُ يقينٌ يُعْلَمُ ضرُورَةً، ولا يُمكِنُ للمرءِ أن يُشكِّكَ في ذلك نفسَهُ.

وأمّا غَلَبةُ الظَّنِّ: فأنْ يشهَدَ بذلكَ شاهِدانِ عَدْلانِ. وهذا معنى قولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وهُو معنى قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فإن غُمَّ عَلَيكُم، فاقدِرُوا لهُ" عندَ أكثر أهلِ العِلم: أنْ لا يُصامَ رمضانُ، ولا يُفطَرُ منهُ، إلّا برُؤيةٍ صحيحةٍ، أو إكمالِ شعبانَ ثلاثينَ يومًا.

وإنَّما وجَبَ أن يكونَ ذلك عندَ العُلماءِ كذلكَ؛ لأنَّ الشَّهرَ معلُومٌ أنَّهُ قد يكونُ تِسعةً وعِشرينَ يومًا، ويكونُ ثلاثينَ يومًا، هذا مِمّا لا يُعلَمُ عيانًا واضْطِرارًا، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - من حديثِ ابن عُمرَ: "نحنُ أُمَّة أُمِّيَّةٌ لا نَكْتُبُ ولا نَحْسُبُ، الشَّهرُ هكذا، وهكذا، وهكذا"، وعَقَدَ الإبهامَ في الثّالثةِ، "والشَّهرُ هكذا، وهكذا، وهكذا". يعني: تمامَ ثلاثينَ يومًا.

وقد ذكَرْنا هذا الخبرَ ومِثلهُ في بابِ عبدِ الله بن دينارٍ، عندَ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "الشَّهرُ تِسعٌ وعِشرُونَ" (٢).


(١) هذه اللفظة سقطت من م.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٨٥ (٧٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>