للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَرْنا في بابِ ثورِ بن زيدٍ، خَبَرَ ابن مسعُودٍ: ما (١) صُمْنا معَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تِسعًا وعِشرينَ، أكثرُ مِمّا صُمنا مَعهُ ثلاثينَ (٢).

فلمّا كان معلُومًا أنَّ الشَّهرَ قد يكونُ تِسعًا وعِشرينَ، وقد يكونُ ثلاثينَ، قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن غُمَّ عليكُم، فاقدِرُوا لهُ".

يُريدُ - واللّه أعلمُ - بأن يُكملُوا العِد ثلاثينَ يومًا، أو يُرَى الهِلالُ قبلَ ذلك لتِسع وعِشرينَ. وهكذا رواهُ أبو هُريرةَ، وابنُ عبّاسٍ، وحُذيفةُ، وجماعَةٌ (٣) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ورِوايتُهُم تُفَسِّرُ حديثَ ابن عُمرَ في قولِهِ: "فاقْدِرُوا لهُ". فواجِبٌ أن لا يُصامَ يومُ الشَّكِّ على أَنَّهُ من رَمَضانَ، وأن لا يُقْضَى بدُخُولِ شَهرٍ إلّا بيَقِينِ رؤيتِهِ، أو تمام عَدَدِهِ.

وأمّا ابنُ عُمرَ فلهُ مذهَبٌ ذهَبَ إليه وتأوَّلهُ، في معنى ما رَواهُ من قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "فاقدِرُوا لهُ". وأكثرُ أهلِ العِلْم في ذلك على خِلافِهِ، وسَنذكُرُ مَذْهبَهُ في ذلكَ عنهُ، ونذكُرُ من تابَعهُ عليه بعدُ، في هذا البابِ إن شاءَ الله.

وقال أهلُ اللُّغة: "فاقدِرُوا لهُ" كقولِه: قَدِّرُوا لهُ، يُقالُ: قَدَرتُ الشَّيءَ، وقدَّرتُهُ، وأقْدَرْتُهُ.

قال أبو عُمر: أمّا صومُ يوم الشَّكِّ تطوُّعًا، فقد مَضَى القولُ فيه في باب ثَوْرِ بن زَيْدٍ. وأمّا صَوْمُهُ على أن يكونَ من رَمَضانَ، إن ظهَرَ الهِلالُ، خوفًا أنَّ يكونَ من رمضانَ، وهل يُجزِئُ ذلكَ إن ثبتَ أنَّهُ من رمضانَ، أم لا، فقَدِ اختلَفَ العُلماءُ في ذلكَ اختِلافًا كثيرًا.

فجُمْلةُ قولِ مالكٍ وأصحابِهِ في ذلكَ: أنَّ يومَ الشَّكِّ لا يُصامُ على الاحْتِياطِ، خوفًا أن يكونَ من رمضانَ.


(١) في الأصل، م: "لما"، والمثبت من بقية النسخ.
(٢) سلف تخريجه في الحديث الثاني لثور بن زيد، عن ابن عباس.
(٣) هذه الكلمة سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>