للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهْرِ رمضانَ قبلَ أن يَنْتصِفَ النَّهارُ، لم يُجزِئه عن شَهْرِ رمضانَ، وكان عليه قَضاءُ ذلك اليوم. قال: ولو نَوَى بصوم ذلك اليوم التَّطوُّعَ وهُو لا يعلمُ أَنَّهُ من رمضانَ، لم يُجزِئه أيضًا، وكان عليه قَضاؤُهُ.

قال أبو عُمر: أمّا من ذهَبَ إلى إبطالِ صَوْم من عقَدَ نيَّتَهُ على تَطَوُّع عن الواجِبِ، أو صامَ يومَ الشَّكِّ على غير يقينٍ أَنَّهُ من رمضانَ، فالحُجَّةُ لهُ قولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنَّما لامْرِئ ما نَوَى" (١).

وقد صحَّ أنَّ التَّطوُّعَ غيرُ الفَرْضِ، فمُحالٌ أن ينويَ التَّطوُّعَ، ويُجزِئَهُ عن الفرضِ. ومن جِهةِ النَّظرِ أيضًا: فَرْضُ رمضان قد صحَّ بيقينٍ، فلا يجُوزُ أداؤُهُ بشَكٍّ.

ووجهٌ آخرُ، وهُو أنَّهُم قد أجمعُوا على أنَّ من صلَّى أربعًا بعد الزَّوالِ مُتطوِّعًا، أو شاكًّا في دُخُولِ الوقتِ، أَنَّهُ لا يُجزِئُهُ ذلكَ من صلاةِ الظُّهرِ، فكذلك هذا، واللّهُ أعلمُ.

وأمّا ما ذهَبَ إليه الأوزاعيُّ، وأبو حنيفةَ، والثَّوريُّ، وابنُ عُليَّةَ، فحُجَّتُهُم أنَّ رمضانَ لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ، ولا يكونُ صومُهُ تطوُّعًا أبدًا، كما أنَّ من صامَ شعبانَ ينوي به رمضانَ، لا يكونُ عن رمضانَ، ولا يكونُ في رَمَضانَ صومٌ عن غير؛ لأَنَّهُ وقت لا تُحيلُ فيه النِّيَّةُ العَمَلَ.

قال أبو عُمر: قد قال بكِلا القولينِ جماعةٌ من التَّابِعينَ، ومِمَّن قال بقولِ الأوزاعيِّ: عَطاءٌ (٢) وعُمرُ بن عبدِ العزيزِ، ولكِنَّ القولَ الأوَّلَ أصَحُّ وأحْوَطُ من جِهَةِ الأثَرِ والنَّظَرِ إن شاءَ الله، واللّه المُوفِّقُ للصَّوابِ.


(١) أخرجه مالك في الموطأ رواية محمد بن الحسن (٩٨٣)، وأحمد في مسنده ١/ ٣٠٣ (١٦٨)، والبخاري (١)، ومسلم (١٩٠٧)، وأبو داود (٢٢٠١)، وابن ماجة (٤٢٢٧)، والترمذي (١٦٤٧)، والبزار في مسنده ١/ ٣٨٠ (٢٥٧)، والنسائي في المجتبى ١/ ٥٨، وفي الكبرى ١/ ١٠١ (٨٧)، وابن خزيمة (١٤٢)، وابن حبان ٢/ ١١٣ (٣٨٨). وانظر: المسند الجامع ١٤/ ٣١ - ٣٢ (١٠٦٢٦).
(٢) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (٧٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>