للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وإذا جازَ الرُّكوعُ للرَّجلِ خلفَ الصفوف وحدَه، وأجزَأ ذلك عنه، فكذلك سائرُ صلاتِه؛ لأنَّ الرُّكوعَ رُكنٌ من أركانِها، فإذا جازَ للمصلِّي أنْ يركعَ خلفَ الصفوف، كان له أنْ يَسجُدَ وأنْ يُتمَّ صلاتَه، واللَّهُ أعلم (١).

وقد احتجَّ جماعةٌ من أصحابِنا بما احتجَّ به الشافعيُّ في هذه المسألة. والذي عليه جمهورُ الفقهاء؛ كمالك، والشافعيّ، والثَّوريّ، وأبي حنيفة (٢)، فيمن اتَّبعَهم وسلَك سبيلَهم، إجازةُ صلاةِ المنفردِ خلفَ الصفِّ وحدَه، وحديثُ وابصةَ مُضطرِبُ الإسنادِ لا يُثبِتُه جماعةٌ من أهلِ الحديث (٣).

وفي هذا الحديثِ أيضًا ما يدلُّ على أنَّ الصَّبيَّ إذا عقَل الصلاةَ حضَرها مع الجماعة ودخَل معهم في الصَّفِّ إذا كان يُؤمَنُ منه اللَّعبُ والأذَى، وكان ممّن يَفهَمُ حدودَ الصلاةِ ويَعقِلُها، وقد رُوِيَ عن عمرَ بنِ الخطاب أنّه كان إذا أبصَر صبيًّا في الصَّفِّ أخرَجه. وعن زِرِّ بنِ حُبيش، وأبي وائل (٤)، بمثلِ ذلك. وهذا يَحتمِلُ أن يكون أنه لم يكن (٥) يُؤْمَنُ لَعِبُه ولهوُه، أو يكونَ كرِهَ له التَّقدُّمَ في الصَّفِّ ومنع الشيوخِ من مَوضعِه ذلك، والأصلُ ما ذكَرنا؛ لحديثِ هذا الباب، واللَّهُ أعلم.

وقد كان أحمدُ بنُ حنبلٍ يذهبُ إلى كراهةِ ذلك، قال الأثرم: سمِعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يكرَهُ أنْ يقومَ مع النّاسِ في المسجدِ خلفَ الإمام إلّا مَن قد احتلَم،


(١) ينظر: المهذّب في فقه الشافعي لأبي إسحاق الشيرازي ١/ ١٨٩، وشرحه النووي ٤/ ٢٩٦.
(٢) ينظر: اختلاف العلماء لمحمد بن نصر المروزي ص ١١٢ - ١١٤، والأوسط لابن المنذر ٤/ ٢٠٨، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٣٤.
(٣) ولذلك اقتصر الإمام الترمذي على تحسينه، لهذه العلة.
(٤) هو شقيق بن سلمة الأسدي، وحديثه في مصنف ابن أبي شيبة عن ابن مسعود (٤١٨٨). وأخرجه من قول زر بن حبيش وأبي وائل (٤١٩٠).
(٥) في ف ١: "لمن لا يؤمن"، وفي ق: "أن يكون لم يؤمن لعبه"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>