للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكِنَّ الشّافِعيَّ جحَلَ هذا الحديثَ أصلًا ردَّ إليه تقويمَ العُرُوضِ، فمن سرَقَ عندَهُ من ذَهَبٍ، تِبرٍ أو عينٍ، رُبعَ دينارٍ فصاعدًا، على ما ذكَرْنا من شُرُوطِ السَّرِقةِ، وجَبَ عليه القَطْعُ، ومن سرَقَ فِضَّةً وَزْنَ (١) ثلاثةِ دراهِمَ كيلًا، فعليه أيضًا القَطْعُ، إذا كانت رُبعَ دينار؛ لأنَّ الثَّلاثةَ دراهِمَ التي قُوِّمَ بها المِجنُّ في حديثِ ابن عُمرَ، وقوَّمَ بها عُثمانُ الأُترُنْجَةَ (٢)، كانت عِندَهُم في ذلكَ الوَقْتِ من صَرْفِ اثْنَي عشرَ دِرهمًا بدينارٍ (٣).

ومن سرَقَ عندَ الشّافِعيِّ شيئًا من العُرُوضِ، قُوِّم بالرُّبع دينارٍ، لا بالثَّلاثةِ دراهِمَ، على غلاءِ الذَّهَبِ ورُخْصِهِ، فإن بلَغَ العَرْضُ المسرُوقُ رُبعَ دينارٍ بالتَّقويم، قُطِع سارِقُهُ.

وهُو قولُ إسحاقَ بن راهُويَةَ، وأبي ثور، وجماعةٍ من التّابِعين.

وقال داودُ بن عليٍّ: لا تُقطعُ اليَدُ في أقَّلًّ من رُبع دينارٍ عينًا من الذَّهَبِ، أو قيمةَ ذلك من كلِّ شيءٍ. قال: وحديثُ ابن عُمر في تقويم المِجنِّ بثلاثَةِ دراهِمَ، إنَّما كان ذلك، لأنَّ الثَّلاثةَ دراهِمَ كانت يومَئذٍ قيمةَ رُبع دينارٍ؛ لأنَّ الدِّيةَ كانت تُقوَّمُ اثْنَيْ عشَرَ ألفَ دِرْهم، وكان الصَّرفُ اثْنَيْ عشَرَ درهمًا (٤) بدينارٍ. قال: فليسَ في حديثِ ابن عُمر خِلافٌ لحديثِ عائشةَ في الرُّبع دينارٍ، ولو خالَفهُ، كانتِ الحُجَّةُ فيما رَوَتهُ عائشةُ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أنَّهُ قال: "القَطْعُ في رُبع دينارٍ فصاعَدًا" (٥).


(١) في د ٤، ظا: "وزنها"، والمثبت من الأصل.
(٢) في م: "الأتريجة"، خطأ، والمثبت من النسخ. والأترنجة ويقال فيها أيضًا: الأترجة -من غير نون- واحدة الأُترُجّ، وهو شجر يعلو، ناعم الأغصان والورق والثمر، وثمره كالليمون الكبار، وهو ذهبي اللون، ذكي الرائحة، حامض الماء. انظر: مشارف الأنوار للقاضي عياض ١/ ١٦، والمعجم الوسيط، ص ٤.
(٣) الأم ٦/ ١٥٩.
(٤) قوله: "وكان الصرف اثني عشر درهمًا" سقط من م.
(٥) سيأتي بإسناده، ويخرج في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>