للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: أنَّ أهلَ الكِتابِ وسائرَ أهلِ الذِّمَّةِ إذا تحاكمُوا إلَينا، ورَضُوا بحُكم حاكِمِنا، حَكَم بينهُم بما في شَرِيعتِنا، كان ذلك مُوافِقًا لِما عِندهُم، أو مُخالِفًا، وأنْزَلهم في الحُكم مَنْزِلتَنا.

وعلى هذا عندَنا كان حُكمُ رسُولِ اللّه -صلى الله عليه وسلم- بالرَّجْم على اليَهُوديَّيْنِ، لأَنَّهُ قد رجَمَ ماعِزًا وغيرَهُ من المُسلِمينَ، ومعلُومٌ أَنَّهُ إنَّما رجَمَ مَن رجَمَ من المُسلِمينَ بأمرِ اللّه وحُكْمِهِ، لأنَّهُ كان لا ينطِقُ عن الهَوَى، ولا يتقدَّمُ بين يَدَيِ اللّه، وإنَّما يحكُمُ بما أراهُ الله، فوافقَ ذلكَ ما في التَّوراةِ، وقد كان عندَهُ بذلكَ عِلم، فلذلكَ سألهم عنهُ، واللّه أعلمُ.

واختلَفَ أهلُ العِلْم في أهلِ الذِّمَّةِ، إذا تَرافعُوا إلَينا في خُصوماتِهِم وسائرِ مَظالِمِهِم وأحْكامِهِم: هل علينا أن نحكُمَ بينَهُم فَرْضًا واجِبًا، أم نحنُ في ذلكَ مُخيَّرُونَ؟

فقال جماعةٌ من عُلماءِ الحِجازِ والعِراقِ: إنَّ الإمامَ والحاكِمَ مُخيَّرٌ، إن شاءَ حَكَم بينهُم بحُكم اللّه عَلَينا، إذا تحاكمُوا إلينا، وإن شاءَ رَدَّهُم إلى حاكِمِهِم، لقولِ اللّه عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢].

وممَّن قال ذلك: مالكٌ (١)، والشّافِعيُّ (٢) في أحَدِ قولَيهِ، وهُو قولُ عَطاءٍ، والشَّعبيِّ، والنَّخَعيِّ.

ذكرهُ عبدُ الرَّزّاق (٣)، عن ابن جُرَيج، عن عَطاءٍ.


(١) المدونة ٣/ ٤١٢، والبيان والتحصيل ٤/ ١٨٦.
(٢) الحاوي الكبير ٩/ ٣٠٦.
(٣) في المصنَّف (١٠٠٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>