للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن أفْتاكُم بالرَّجم، فاحْذَرُوا. وذلك دليلٌ على أنَّهُم حَكَّمُوهُ، لا أنَّهُ قَصَرهُم على ذلكَ الحُكم، وذلك بيِّنٌ أيضًا في حديثِ ابن عُمرَ وغيرِه.

فإن قال قائلٌ: إنَّ حديثَ ابن عُمرَ، من حديثِ مالكٍ وغيرِهِ، ليسَ فيه: أنَّ الزّانيَيْنِ حَكَّما رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم-، ولا رَضِيا بحُكمِهِ؟ قيل لهُ: حدُّ الزّاني حَقٌّ من حُقُوقِ اللّه على الحاكِم إقامَتُهُ، ومعلُومٌ أنَّ اليهُودَ كان لهم حاكِمُ يحكُمُ بينهُم ويُقيمُ حُدُودَهُم عليهم، وهُو الذي حكَّمَ رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم-، واللّه أعلمُ.

ألا تَرى إلى ما في حديثِ ابن عُمرَ: أنَّ اليهُودَ جاؤُوا رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنَّ رجُلًا منهُم وامْرَأةً زَنَيا. ثُمَّ حَكَّمُوا رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك؟ فإذا كان من إليه إقامةُ الحدِّ، هُو الذي حكَّمَ رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم-، فلا وجهَ لاعتِبارِ تحكيم الزّانيين (١) فيما ليسَ لهما، ولا لأحَدِهِما.

أخبرنا عبدُ اللّه بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بَكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٢): حدَّثنا أحمدُ بن سعيدٍ الهَمْدانيُّ، قال: حدَّثني ابنُ وَهْب، قال: حدَّثني هشامُ بن سَعْدٍ، أنَّ زيدَ بن أسلَمَ حدَّثهُ، عن ابن عُمرَ، قال: أَتَى نَفَر من يهُودَ فدَعَوْا رسُولَ اللّه -صلى الله عليه وسلم-، فأتاهُم في بَيْتِ المِدْراسِ (٣) فقالوا: يا أبا القاسم، إنَّ رجُلًا مِنّا زَنَى بامْرَأةٍ، فاحْكُم، فوَضَعُوا لرسُولِ اللّه -صلى الله عليه وسلم- وسادَةً، فجلَسَ عليها، ثُمَّ قال: "ائتُوني بالتَّوراةِ" فأتَوهُ بها، فنزَعَ الوِسادةَ من تحتِهِ، ووَضَعَ التَّوراةَ عليها، ثُمَّ قال: "آمنتُ بكِ، وبمَنْ أنزلَكِ". ثُمَّ ذكر قِصَّةَ الرَّجم، نحوًا من حديثِ مالكٍ، عن نافع، عن ابن عُمرَ.


(١) وقع في بعض النسخ: "الذميين"، والمثبت من الأصل، وهو الأحسن.
(٢) في سننه (٤٤٤٩). وانظر: المسند الجامع ١٠/ ٥١٥ - ٥١٦ (٧٨٣١).
(٣) في الأصل: "المدارس". والمدراس: الموضع الذي يُدرس فيه كتاب اللّه، ومنه: مدراس اليهود. انظر: المعجم الوسيط، ص ٢٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>